( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .
أصل معنى الفتنة ، إدخال المعدن النار ليزول عنه الخبث الذي يعلق به ، وأخص المعادن الذهب ، ففتنته إدخاله في النار لتعلم جودته ، ثم أطلقت على الاختبار والعذاب والبلاء ، والمصيبة والكفر والإثم والألم والضلال .
وفي النص الكريم قراءتان:إحداهما ضم تاء ( فتنتهم ){[1010]} والمراد من الفتنة الاختبار الشديد بهول ما رأوا ، والمعنى على هذه القراءة وهي قراءة حفص:وكان من أثر الاختبار الشديد الذي رأوه يوم الحشر والحساب ، أن نسوا ما كانوا عليه من شرك ، وقالوا مقسمين:( والله ربنا ما كنا مشركين ) أي أنهم أقسموا بالله غير صادقين في الحقيقة ونادوا الله ب ( ربنا ) معترفين بربوبيته وحده ، ويكون ذلك من فرط الهول والشدة وعظمة ما رأوا من صدق الحقائق ، حتى كذبوا أنفسهم .
والقراءة الثانية بفتح التاء وبالياء في يكن{[1011]} ويعتبر اسم ( يكن ) هو ( أن قالوا ) وقد رجح هذه القراءة ابن جرير الطبري ، قال في معناها:( ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم اعتذارا مما سلف منهم من الشرك بالله إلا أن قالوا:والله ربنا ما كنا مشركين فوضعت الفتنة موضع القول لمعرفة السامعين معنى الكلام . وإنما الفتنة الاختبار والابتلاء ولكن ما كان الجواب من القوم غير واقع هنالك إلا عند الاختبار وضعت الفتنة التي هي الاختبار موضع الخبر عن جوابهم واعتذارهم .
وخلاصة المعنى الذي يقرره ابن جرير أن الفتنة الاختبار ، وأنهم بهذا المعنى هي السبب للقول ، والقول هو المسبب ويكون التخريج هكذا لم يكن القول المتسبب عن الفتنة إلا أن قالوا إنا كنا مشركين فعبر عن المسبب بالسبب لبيان شدة الهول وما يترتب عليه .