23- ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا ربنا ما كنا مشركين .يتلفت القوم إلى الشركاء فلا يجدون لهم أثرا ،ويخيل إليهم من ضلالهم أن فتنتهم وكفرهم الذي لزموه مدة أعمارهم وافتخروا به قد اختفى ،وأنهم لن يؤخذوا بهذا الجرم الذي لا يقوم شاهد على وجوده ،فيقولون كذبا وبهتانا: والله ربنا ما كنا مشركين .
أو أنهم حين كشف الحجاب ورأوا البعث والحشر والحساب والجزاء وأن الملك في ذلك اليوم لله وحده أعلنوا إيمانهم بالله ،وتبرءوا من الشرك في وقت لا ينفع فيه ذلك وقريب منه رجاء المشركين أن يعودوا إلى الدنيا ليؤمنوا حيث يقولون: لو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين .( الشعراء: 102 ) .
قال أبو إسحاق الزجاج: تأويل هذه الآية لطيف جدا ،وذلك أنه تعالى كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين في حبه ،فذكر أن عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه ،وافتخروا به ،وقالوا إنه دين آبائنا ،لم يكن حين رأوا الحقائق إلا أن تبرأوا من الشرك ،وأقسموا على عدم التدين به .
ونظير هذا في اللغة ،أن ترى إنسانا يحب شخصا مذموم الطريقة ،فإذا وقع في محنة بسببه تبرأ منه ،فيقال له: ما كانت عاقبة محبتك لفلان: إلا أن تبرأت منه وتركته .
وجاء في تفسير القرطبي ما يأتي:
قال ابن عباس: يغفر الله تعالى لأهل الإخلاص ذنوبهم ،ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ،فإذا رأى المشركون ذلك ،قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ،ولا يغفر الشرك ،فتعالوا نقل: إنا كنا أهل ذنوب ،ولم نكن مشركين .
فقال الله تعالى: أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم فيختم على أفواههم ،فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ،فعند ذاك ،يعرف المشركون: أن الله لا يكتم حديثا ،فذلك قوله:
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا .( النساء: 42 ) .