( قوله تعالى:( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِين ) .
قوله تعالى:( قل اني على بينة من ربي ) أي دلالة ويقين وحجة وبرهان لا على هوى ومنه البينة لأنها تبين الحق وتظهره ، ( وكذبتم به ) أي بالبينة لأنها في معنى البيان كما قال:( وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه . . .8 ) ( النساء ) وقيل يعود على الرب أي كذبتم بربي لأنه جرى ذكره . وقيل:بالعذاب:وقيل:بالقرآن وفي معنى هذه الآية والتي قبلها ما أنشده مصعب ابن عبد الله ابن الزبير لنفسه ، وكان شاعرا محسنا رضي الله عنه:
أأقعد بعد ما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني
أجادل كل معترض خصيموأجعل دينه غرضا لديني
فأترك ما علمت لرأى غيري وليس الرأي كالعلم اليقين
وما أنا والخصومة وهي شيء يصرف في الشمال وفي اليمين
وقد سنت لنا سنن قواميلحن بكل فج أو وجين{[1018]} .
وكان الحق ليس به خفاء أغر كغرة القلق المبين .
وما عوض لنا منهاج جهمبمنهاج ابن آمنة الأمين .
فأما ما علمت فقد كفاني وأما ما جهلت فجنبوني .
قوله تعالى:( ما عندي ما تستعجلون به ) أي العذاب فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء نحو قولهم:( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا . . .92 ) ( الإسراء ) (. . .اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء . . .32 ) ( الأنفال ) وقيل:ما عندي من الآيات التي تقترحونها . ( إن الحكم إلا لله ) أي ما حكم إلا لله في تأخير العذاب وتعجيله . وقيل:الحكم الفاصل بين الحق والباطل لله . ( يقص الحق ) أي يقص القصص الحق ، وبه استدل من منع المجاز في القرآن وهي قراءة نافع وابن كثير وعاصم ومجاهد والأعرج وابن عباس قال ابن عباس قال الله عز وجل:( نحن نقص عليك أحسن القصص . . .3 ) ( يوسف ) والباقون ( يقضي الحق ) بالضاد المعجمة وكذلك قرأ علي رضي الله عنه وابو عبد الرحمان السلمي وسعيد ابن المسيب وهو مكتوب في المصحف بغير ياء{[1019]} ولا ينبغي الوقف عليه وهو من القضاء ودل على ذلك أن بعده ( وهو خير الفاصلين ) والفصل لا يكون الا قضاء دون قصص ويقوي ذلك قوله قبله:( إن الحكم إلا لله ) ويقوي ذلك أيضا قراءة ابن مسعود ( إن الحكم إلا لله يقضي الحق ) فدخول الباء يؤكد معنى القضاء قال النحاس:هذا لا يلزم لأن معنى '( يقضي ) يأتي ويصنع فالمعنى:ياتي الحق ، ويجوز أن يكون المعنى:يقضي القضاء الحق . قال مكي:وقراءة الصاد أحب إلي لاتفاق الحرمين وعاصم على ذلك ولأنه لو كان من القضاء للزمت الباء فيه كما أتت في قراءة ابن مسعود قال النحاس وهذا الاحتجاج لا يلزم لأن مثل هذه الباء تحذف كثيرا .
( قوله تعالى:( قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ) .