الآية التّالية تتضمّن جواباً آخر ،وهو: ( قل إِنّي على بيّنة من ربّي وكذبتم به ) .
«البيّنة » أصلا ما يفصل بين شيئين بحيث لا يكون بينهما تمازج أو اتصال ،ثمّ أطلقت على الدليل والحجة الواضحة ،لأنّها تفصل بين الحق والباطل .
وفي المصطلح الفقهي تطلق «البيّنة » على الشاهدين العدلين ،غير أنّ معنى الكلمة اللغوي واسع جداً ،وشهادة العدل واحد من تلك المعاني ،وكذلك كانت المعجزة بيّنة لأنّها تفصل بين الحق والباطل ،وإِذا قيل للآيات والأحكام الإِلهية بينات فلكونها من مصاديق الكلمة الواسعة .
وعليه ،فرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يؤمر في هذه الآية أن يقول: إِنّ دليلي في قضية عبادة الله ومحاربة الأصنام واضح وبيّن ،وان تكذيبكم وإِنكاركم لا يقللان من صدق الدليل .
ثمّ يشير إِلى حجّة واهية أُخرى من حججهم ،وهي أنّهم كانوا يقولون: إِن كنت على حق فعلا فعجل بالعقاب الذي تتوعدنا به ،فيقول لهم رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( ما عندي ما تستعجلون به ) ،لأنّ الأعمال والأوامر كلها بيد الله: ( إِن الحكم إِلاّ لله ) .
وبعد ذلك يقول مؤكداً: إِنّ الله هو الذي: ( يقص الحق وهو خير الفاصلين ) .
بديهي أنّ القادر على أن يفصل بين الحق والباطل على خير وجه هو الذي يكون أعلم الجميع ،ومن السهل عليه التمييز بين الحق والباطل ،ثمّ تكون له القدرة الكافية على استخدام علمه ،وهاتان الصفتان ( العلم والقدرة ) هما من صفات الذات الإِلهية اللامحدودة ،وعليه فإنّه عزّ وجلّ خير من يقص الحق ،أي يفصل الحق من الباطل .
/خ58