قوله:{قل إني على بينة من ربي وكذبتم به} أي قل لهؤلاء المشركين الذين يدعونك إلى الإشراك بالله معهم: إني على بينة من ربي .أي على برهان ودلالة ويقين من ربي أنني على الحق وهو التوحيد الخالص الكامل لله ولإخلاص العبودية المطلقة له وحده من غير إشراك في ذلك البتة .
وقوله:{وكذبتم به} الضمير في{به} يعود على ربي .والمراد أنني آمنت بربي وامتثلت لأمره وتوجهت إليه وحده دون أحد سواه ،وأنتم كذبتم به وأشركتم به من الأنداد والأرباب المصطنعة ما لم ينزل به من الله سلطان .
قوله:{ما عندي ما تستعجلون} نزلت في النضر بن الحارث ورؤساء قريش كانوا يقولون: يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم .فنزلت هذه الآية{[1181]} والذي يستعجلون به هو العذاب .فإنهم لشدة جحودهم وتكذيبهم كانوا – على سبيل التهكم والاستهزاء – يستعجلون نزول العذاب والنقم بهم .وذلك كقولهم:{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} فأمر الله نبيه الكريم أن يقول لهؤلاء العتاة أهل الباطل: ما تستعجلونه من العذاب والنقم ليس بيدي ولا أنا بقادر على ذلك وإنما أنا رسول الله ،وما علي إلا البلاغ لما أرسلت به .والله جلت قدرته يقضي بالحق ويفصل به بيني وبينكم فيتبين المحق من المبطل .وهو سبحانه لا يقع في حكمه جور ولا حيف فهو أعدل العادلين ؟
لذلك قال:{إن الحكم إلا لله يقص الحق} أي ما الحكم في تأخير العذاب أو تعجيله إلا لله وحده وليس لأحد من خلقه فهو سبحانه{يقص الحق} أي يقضي القضاء الحق .وهو سبحانه{خير الفاصلين} أي خير من ميز بين الحق وأهله ،والباطل وأهله{[1182]} .