( وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ) .
( لولا ) هنا للتخصيص أي أنها في ظاهرها لحضهم النبي صلى الله عليه وسلم على طلب الملك وجاء بالبناء للمجهول ليكون الطلب لمن أرسل الرسول وأنهم يعقلون الإجابة على إنزال الملك والحقيقة أنهم يتعنتون والنص القرآني يفيد أنه وجد منهم من طلب ذلك فعلا وأسند القول إلى المشركين لأن التعنت في الصورة الشاملة لهم فما يصدر عن بعضهم تعنتا إنما يصدر في المعنى عن جمعهم لأن الباعث واحد .
ويروى محمد ابن إسحاق فيقول:( دعا الرسول صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فقال زمعة ابن الأسود ابن المطلب ، والنصر والنضر ابن الحارث ابن كلدة وعبد ابن عبد يغوث وأبي خلف ابن وهب ، والعاص ابن وائل ابن هشام:لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك ) .
فما طلبوا أن ينزل عليه ملك لا يرونه لأنه كان ينزل عليه جبريل الأمين على قلبه ليكون من المنذرين إنما كان مطلبهم أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم ويخاطبهم بالشهادة له بالتأييد والنصرة فيما يدعو إليه .
وقد رد عليهم خالق الكون بردين يبينان سذاجة تفكيرهم أولا وعنتهم ومعاندتهم للحق ثانيا .
الأول:يقول الله تعالى:( وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ) والمعنى القريب إلينا أننا نحن الله العلي القدير القاهر فوق عباده ، لو أنزلنا ملكا لقضي الأمر أي لانتهى أمر الدعوة وألزمتهم نتيجتها في الدنيا ، ولعوقبوا على تكذيبهم عاجلا ولا يكون العقاب آجلا في الآخرة بل يكون في هذه الحياة وترون أثر تكذيبهم ولا ( تنظرون ) أي لا تمهلون إلى اليوم الآخر ، ولا ينطبق عليكم قول الله تعالى:( قال أنظرني إلى يوم يبعثون14 ) ( الأعراف ) فقضاء الأمر إنهاء أمر الدعوة بالهلاك ولكن دعوة محمد جهاد مستمر لا ينتهي أمرها بإهلاك المعاندين كما تحققت دعوة نوح في قومه:( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا 26 ) ( نوح ) إنما دعوة محمد صلى الله عليه وسلم جهاد بالحق ، ومغالبة للباطل حتى يدفع بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق ، وهي صورة باقية واضحة في الجهاد إلى يوم القيامة لأنها شريعة دائمةلدفع الناس بعضهم لبعض ولولا ذلك لفسدت الأرض وإذا كانت شريعته هي خاتمة الشرائع تكون للبقاء فانها لا تنتهي بمجرد معاندتها في ابتداء أمرها .
وإن الله سبحانه وتعالى قد أهلك ولم ينظر كما فعل مع قوم عاد وقم لوط ، وقوم شعيب لأن الله تعالى لم يقدر أن يكون منهم مجاهدون مغالبون للباطل إلى يوم القيامة فجعلهم عبرة المعترين .
الأمر الثاني:الذي رد به طلبهم المتعنت كان بقوله