التّفسير
خلق المبررات:
من عوامل الكفر والإِنكار الأُخرى ،روح التحجج والبحث عن المبررات ،وعلى الرغم من أنّ لهذه الروح عوامل أُخرى ،مثل التكبر والأنانية ،ولكنّه ينقلب بالتدريج إِلى حالة نفسية سلبية ،تصبح بدورها عاملا من عوامل عدم التسليم للحق .
ومن جملة الحجج التي احتج بها المشركون على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأشار إِليها القرآن في كثير من آياتهومنها هذه الآيةهي أنّهم كانوا يقولون: لماذا يقوم رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحده بهذا الأمر العظيم ؟لماذا لا يقوم معه بهذا الأمر أحد من غير جنس البشر ،من جنس الملائكة ؟أيمكن لإِنسان من جنسنا أنّ يحمل بمفرده هذه الرسالة على عاتقه ؟( وقالو لولا أنزل عليه ملك ) .
ولا مجال لهذا التحجج على نبوة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع كل هذه الدلائل الواضحة والآيات البيّنات ،ثمّ إنّ الملك ليس أقدر من الإِنسان ولا يملك قابلية لحمل رسالة أكثر من قابلية الإنسان بل أن قابلية الإِنسان أكثر بكثير .
يرد القرآن عليهم بجملتين في كل منهما برهان:
الأولى: ( ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون ) .
أي لو نزل ملك لمعاونة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهلك الكافرون ،وسبب ذلك ما مرّ في آيات سابقة ،وهو أنّه إِذا اتخذت النبوة جانب الشهود والحس ،أي إِذا تحول الغيب بنزول الملك إِلى شهود ،بحيث يرى كل شيء عياناً ،غدت المرحلة هي المرحلة النهائية في إِتمام الحجة ،إِذ لا يكون ثمّة دليل أوضح منها ،وعلى ذلك فإن العصيان في هذه الحالة يستوجب العقاب القاطع ،ولكن الله للطفه ورحمته بعباده ،ولكي يمنحهم فرصة التأمل والتفكير ،لا يفعل ذلك إِلاّ في حالات خاصّة يكون فيها طالب الدليل على أتمّ استعداد ،أو في حالات يستحق فيها طالب الدليل الهلاك ،أي أنّه ارتكب ما يستوجب معه العقاب الإِلهي ،في هذه الحالة يحقق له طلبه ،ثمّ إِذا لم يستسلم صدر أمر هلاكه .
الثّانية: هي أنّ الرّسول الذي يبعثه الله لقيادة الناس وتربيتهم وليكون أُسوة لهم ،لابدّ أن يكون من جنس الناس أنفسهم وعلى شاكلتهم من حيث الصفات والغرائز البشرية ،أمّا الملك فلا يظهر لعيون البشر كما أنّه ليس بإمكانه أنّ يكون قدوة عملية لهم ،لأنّه لا يدري شيئاً عن حاجاتهم والآمهم ولا عن غرائزهم ومتطلباتها ،لذلك فإن قيادته لجنس يختلف عنه كل الاختلاف لا يحقق الهدف .