المفردات:
لقضي الأمر: أي لتم أمر إهلاككم .
ثم لا ينظرون: أي لا يهملون طرفة عين .
التفسير:
8- وقالوا لولا أنزل علينا ملك يحكي القرآن لونا آخر من اقتراحات المشركين التي تؤيد تعنتهم وجحودهم للحق ،فالرسول أمامهم عرف بينهم بالصدق والأمانة وحسن الخلق ،والقرآن أمامهم يلمسون إعجازه وتفوقه وسلاسته وسلامته من كل عيب ،ويدركون أنه فوق مستوى البشر ومع كل ذلك يقترحون ألوانا من الاقتراحات ومنها ما حكاه القرآن الكريم في عدد من السور ،وكمثال ذلك ما ورد في سورة الإسراء وهو يتضمن مثل هذا الاقتراح بمجيء ملك أو ملائكة تصدق الرسول في دعواه الرسالة واقتراحات عدة تدل على التعنت .وتدل على الجهل بكثير من الحقائق الكونية ،وكثير من القيم الحقيقية .
قال تعالى: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا .( الإسراء: 89-95 ) .
فقد اقترحوا في هذه الآيات تفجير ينابيع الأرض في مكة حتى تنبت الجنان والبساتين ،أو نزول عذاب من السماء أو مجيء الله والملائكة يصدقون رسالته أو أن يملك محمد بيتا من الذهب ،أو يصعد في السماء شريطة: أن يأتي بكتاب معه من السماء يؤيد صدقه .
وكان جواب القرآن إنني بشر يوحى إلي برسالة تخاطب العقل والفطرة وتقدم الأدلة العقلية على صدقها .
وقد كذبت أمم السابقين بسبب استكثارهم أن يختار الله بشرا ثم يوحي إليه بالرسالة ،مع أن هذا لا غرابة فيه فالرسول ينبغي أن يكون بلسان قومه ليبين لهم ،ولو كانت الأرض فيها ملائكة تمشي في منطقة منها لأرسل الله إليهم ملكا مثلهم يحمل رسالة الله إليهم .
وقد كان تصور عرب الجاهلية عن الملائكة تصورا فجا فيه الكثير من الأخطاء فقد زعموا أن الملائكة بنات الله ،وأن الله قد اختار زوجة من الجن لتنجب له الملائكة ،وسموا بعض الآلهة بأسماء الملائكة ،وقد صحح القرآن ضلالاتهم في سورة النجم وفي غيرها من السور .
وقالوا لولا أنزل عليه ملك .روى ابن المنذر ،وابن أبي حاتم ،عن محمد بن إسحاق في سبب نزول هذه الآية قال:
( عاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ ،فقال زمعة بن الأسود بن المطلب ،والنضر بن الحارث وأبي بن خلف ،والعاص بن وائل بن هشام: لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ،ويرى معك فأنزل الله في ذلك قوله: وقالوا لولا أنزل عليك ملك ...) .
أي قال الكافرون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هلا كان معك يا محمد ملك لكي يشهد بصدقك ،ونسمع كلامه ونرى هيئته ،وحينئذ نؤمن بك ونصدقك .
ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون .لقد جرت سنة الله في إنزال الملائكة أن يرسلهم لإهلاك المكذبين .كما أرسلهم إلى قوم لوط ،أو جرت سنته في أن من طلب آية أو معجزة ثم تحقق إرسال الآية ولم يؤمن أن يهلكه الله ولا ينظره فقد أعطى ثمود الناقة آية فعقروها: فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها ( الشمس: 14-15 ) .أو أن الله لو أرسل ملكا في سورته الحقيقية فشاهدوه بأعينهم ،لزهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون من غير تأخير أو انتظار .
من أجل هذا لم يستجب لأهل مكة حتى لا ينزل بهم عذاب الاستئصال تكريما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحقيقا لوعده: وما كان الله أن يعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون .( الأنفال: 33 ) .