الملأ من حاشية فرعون يحرضونه
وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ( 127 ) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ( 128 ) قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ( 129 )
ذكرنا أن حاشية الطغاة لا تقف من الطاغي موقفا سلبيا ، أو محايدا ، بل إنهم يحرضونه مرضاة له ، وطلبا لما ينفذه إجابة لهم ، فهم لا يهمهم إلا أن يأخذوا منه ما يشبع نهمتهم ، وليسوا مخلصين له يمنحونه النصيحة ، إنما هم الممالئون له في باطله ، لم يكف الملأ والحاشية ما أنزله بالسحرة ، أو ما هم أن ينزله بهم ، بل نبهوه إلى موسى وقومه من بني إسرائيل ، وأرادوا اجتثاثهم من الأرض ، قالوا محرضين:
{ أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك} أي أتترك موسى وأخاه وقومه من بني إسرائيل ومآل ذلك الترك أن يفسدوا في الأرض بإشاعة التمرد عليك ، والانتقاض على حكمك والخروج عليك ، وذلك فساد أي فساد ، فاللام في قوله تعالى:{ ليفسدوا في الأرض} هي ما تسمى لام العاقبة ، أي أتتركهم لتكون عاقبة الترك أن يؤلبوا الناس عليك ، وينتفضوا على حكمك .
والاستفهام هنا إنكاري لإنكار الواقع ، وهو بمعنى لا ينبغي لك أن تترك موسى وقومه يؤلبون عليك .
هكذا حرضوا فرعون على بني إسرائيل ذلك التحريض الخبيث ليزدلفوا إليه ، وكذلك الحاشية المفسدة تسبق إلى فكر الطاغي ، ليتوهم إخلاصهم له ، وما هم إلا الممالئون المنافقون الكاذبون ، ولم يكتفوا بالتحريض على بني إسرائيل ، بل علا التحريض إلى موسى ، وجاءوه من جهة ما ، فقالوا عن موسى:{ ويذرك وآلهتك} .
أي بترك موسى ، فيخرج عليك غير طائع لك ، بل معاند ، ومهاجر بالمخالفة وإنكار ألوهيتك ، في أول دعوته ويترك آلهتك ، ولقد كان لأهل مصر عدة آلهة كبيرهم الإله رع ، وقالوا:إنه يحل في فرعون ، وينتقل بينهم من سلف إلى خلف ، والمعنى لا ينبغي أن تتركه وقد ترك بالخروج عليك ، وعلى آلهتك المقدسة ، وقال:إن الله واحد أحد .
استجاب فرعون الطاغي لهم ، لأنها رغبته ، وقد سبقوه إلى ذكرها ، ممالئين مزدلفين إليه بالباطل . قال:{ سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون} .
قال سنقتل الأبناء ونترك النساء ، وسمى تركه النساء استحياء لهن ، وهو لا يحيي ولا يميت ، تركهن ليكن جواري وخدما في البيوت ، وأكد قدرته على ذلك وإذلاله لهم بقوله وإنا فوقهم ، المسيطرون عليهم ، الذين نستطيع استئصال من نحب ، وإبقاء من نحب أذلاء مقهورين ، وهنا قد يسأل سائل:لماذا ترك موسى وهو الرأس فلم يقتله وأخاه ؟ .
ونقول في الإجابة عن ذلك:إن موسى تربى في قصر فرعون ، فكان له فيه أولياء ، وكان على رأسهم امرأة فرعون ، فكانوا يخذلونه عن أن ينزل به أذى ، أو يقتله مثلا .
وإن لموسى هيبة ورهبة في نفس فرعون تمنعه من أن ينزل به ما يريد ، وهو يرى الآيات تجري على يديه وهو إن لم يؤمن بها أفزعته ، وأرهبته .
وإن مثل أوليائه من آل فرعون ، كمثل أبي طالب في حمايته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أذى قريش وأن ينالوا منه ، وهكذا يؤيد الله تعالى رسله ببعض خلقه .