يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه ، وما أظهروه لموسى ، عليه السلام ، وقومه من الأذى والبغضة:( ( 129 ) وقال الملأ من قوم فرعون ) أي:لفرعون ( أتذر موسى وقومه ) أي:أتدعهم ليفسدوا في الأرض ، أي:يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك ، يالله للعجب ! صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه ! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون ; ولهذا قالوا:( ويذرك وآلهتك ) قال بعضهم:"الواو "هنا حالية ، أي:أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك ؟
وقرأ ذلك أبي بن كعب:"وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك "، حكاه ابن جرير .
وقال آخرون:هي عاطفة ، أي:لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى تركه آلهتك .
وقرأ بعضهم:"إلاهتك "أي:عبادتك ، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد .
وعلى القراءة الأولى قال بعضهم:كان لفرعون إله يعبده . قال الحسن البصري:كان لفرعون إله يعبده في السر . وقال في رواية أخرى:كان له جمانة في عنقه معلقة يسجد لها .
وقال السدي في قوله تعالى:( ويذرك وآلهتك ) وآلهته ، فيما زعم ابن عباس ، كانت البقر ، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها ، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا .
فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله:( سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم ) وهذا أمر ثان بهذا الصنيع ، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى ، عليه السلام ، حذرا من وجوده ، فكان خلاف ما رامه وضد ما قصده فرعون . وهكذا عومل في صنيعه [ هذا] أيضا ، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم ، فجاء الأمر على خلاف ما أراد:نصرهم الله عليه وأذله ، وأرغم أنفه ، وأغرقه وجنوده .