وقد تفرق بنو إسرائيل في الأمم ، وكان منهم الصالحون ، ومنهم القاسطون ، ولذا قال تعالى:{ وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات} .{ وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات} .
إن الله تعالى كتب على المعاندين من بني إسرائيل الذلة إلى يوم القيامة ، وحكم فيهم القاهرين من المغول ، والرومان ، وأهل أوروبا ، حتى ضلوا بهم ، ومن أخذهم برفق أخذوه بالعنف والدس اللئيم . أشار – سبحانه – إلى أنه كان من بعد موسى أخيار صالحون ، وأشرار فاسدون ، فقال:{ وقطعناهم في الأرض أمما} ، أي فرقناهم في الأرض أمما ، أي جماعات منفصلة عن غيرها ، كأنها أمم قائمة بذاتها ، والتعبير ب{ قطعناهم} يدل على أنهم وإن دخلوا في أمم أخرى في الأرض متصلون بعضهم ببعض ، وكذلك الأمر في شأنهم كما نراهم حتى اليوم ، وإن هذه الجماعات التي تفرقت كانت في الماضي{ منهم الصالحون} قائمون بالحق آخذون به مهتدون بهدى الكتاب الذي نزل على موسى – عليه السلام –{ ومنهم دون ذلك} ، أي دون الصلاح ، أي ليسوا صالحين ، وعبر سبحانه بقوله:{ دون ذلك} للإشارة إلى أن الصالحين في المنزلة العليا مهما كانوا من سطوة ومهما يكونوا من غنى وقوة ، فالصلاح له العلا ، والفساد له المنزلة الدنيا مهما يكن حال أهله .
ويذكر – سبحانه وتعالى – أنهم وهم متفرقون قفي الأرض إنما يختبرهم سبحانه بالحسنات ، فإن شكروها كانوا صالحين ، وإن كفروها كانوا في المنزلة الدون ، ويختبرهم بالأمور التي تسوء فإن صبروا أجروا ، وغن جزعوا فإن اعتبروا اهتدوا ، وإلا فهم في ضلال بعيد ، وذلك كقوله تعالى:{. . . . . . . . . . . . . ونبلوكم بالشر والخير فتنة . . . . . . . . . . . . . . . . ( 35 )} ( الأنبياء ) .
والحسنة هي الحال الحسنة ، كالخصب وتوفير الرزق ، والاطمئنان . والسيئة الحال التي لا تسر ، بل تسيء كالجدب والآفات ، والله – سبحانه وتعالى – هو الحكيم الخبير .
وإن ذلك الاختبار بالحسنة والسيئة وتوالي الأمرين ، والضراعة في حال النقمة ، رجاء أن يفوا قدره وأنه هو الذي ينفع ويضر ، وأنه هو القادر على كل شيء ، وإذا عرفوا ذلك وآمنوا به رجعوا إلى الحق ورجعوا إلى ربهم واهتدوا ؛ ولذا قال تعالى:{ لعلهم يرجعون} ، أي أن الله – سبحانه وتعالى – عاملهم معاملة من يريد أن يرجعوا إلى جنابه الأعلى وساحته العليا ، فيهتدوا بعد بعد عنه سبحانه .