ولقد أدرك أنه يجوز أن يكونوا في استغراب ، وهو يريد هدايتهم ، فيريد أن يزيل غرابتهم ، فقال متقربا متحببا مخاطبا وجدانهم مزيلا استغرابهم:
{ أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون ( 63 )} .
الواو هنا عاطفة على ما بعدها على ما قبلها ، فهي عاطفة كلام نوح – عليه السلام – الأخير على ما قبله ، ولكنها أخرت في الذكر عن الهمزة ، وهو بهذا ينبههم إلى ما يزيل عجبهم واستغرابهم ، فهو استفهام في معنى النفي ، أي لا يصح أن تعجبوا من ذلك فإن الله لا ينزل ، ويكلم الناس ، ولا ينزل الملائكة ،{ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ( 9 )} ( النعام ) ولقد أزال عجبهم ، وأمرهم بألا يعجبوا .
وموضع العجب الواهم هو{ أن جاءكم ذكر من ربكم} ( أن ) تذكير بالحقيقة المستكنة في قلوبهم التي يطمسونها طمسا ، حتى لا يذكروا ،{ على رجل منكم} ، أي على لسان رجل منهم ، أو أن ( على ) بمعنى ( مع ) أي:مع رجل منهم ، وكذلك قال المشركون لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم:{. . . . . . . أبعث الله بشرا رسولا ( 94 )} ( الإسراء ){ وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . . . . . . . . . . . . ( 7 )} ( الفرقان ) ، وقد بين الله الغاية من الرسالة التي جاء بها نوح – عليه السلام – وهي غاية الرسل أجمعين فقال:{ لينذركم} بهذا الذكر الذي يثير العلم الذي تطمسونه فيذكركم به منذرا من عذاب ، ومبشرا بثواب{ ولتتقوا} ولتعملوا على أن تتخذوا من عملكم وقاية لكم من العذاب ،{ ولعلكم ترحمون} ، أي ولترجوا أن يرحمكم الله باتباع ما امركم به من توحيد ، وإصلاح ، فإن ذلك هو الرحمة الحقيقية بكم .