قال نوح ذلك متوددا متحببا ، مخاطبا بما يجمعهم من مودة ، ولكنهم نفروا من دعوته ، ومن هدايته فكذبوه ،{ فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين} . الفاء:هنا للإفصاح ، أو للترتيب ، أي أنه ترتب على هذا الذكر ، وهذه الدعوة الهادية الباعثة على العبرة أن كذبوه ، وكان لابد بعد هذا التكذيب القاطع للحق ، والهادم لكل صالح أن يكون العذاب لمن طغى ، والنجاة لمن هدى ، أمره الله تعالى بأن يصنع الفلك ، لينجي فيه من آمن من قوم نوح ، وأن يغرق من عاند وكفر ، فقال:{ فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} ، أي بسبب تكذيبهم ؛ لأن الصلة في الموصول هي سبب الحكم ، وقد أكد - سبحانه وتعالى – وصفهم بالضلال ، فقال:{ إنهم كانوا قوما عمين} عمين جمع عم ، وهو صفة مشبهة من عمى ، فهم ضالون قد أعمى الله تعالى بصائرهم . وإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى الأفئدة التي في الصدور .
هذا ما ذكره الله تعالى في هذا الموضع من قصة – نوح عليه السلام – ونكتفي بالكلام هنا ، ونتكلم في باقي قصة نوح مع قومه في مواضعها من القرآن الكريم ، فلكل جزء منها عظة قائمة بذاتها .
وسيدنا نوح – عليه السلام – هو أبو الأنبياء بعد آدم ، وقيل:إن إدريس أكبر منه ، ولكن الظاهر من سياق القرآن للأنبياء ، أنه أبو البشرية بعد آدم ، والله – سبحانه وتعالى – أعلم .