{ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ} الهمزة في أول الجملة للاستفهام الإنكاري ، والواو بعدها للعطف على محذوف مقدر بعد الهمزة والمعنى أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم ؟{ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} أي لأجل أن يحذركم عاقبة كفركم ويعلمكم بما أعد الله له من العقاب بما تفهمونه منه لأنه منكم ولأجل أن تتقوا بهذا الإنذار ما يسخط ربكم عليكم من الشرك في عبادته ، والإفساد في أرضه ، وليعدكم بالتقوى لرحمة ربكم المرجوة لكل من أجاب الدعوة واتقى ، علل مجيئه بالرسالة بعلل ثلاث متعاقبة مرتبة كما ترى .
وقد علم من قوله: "على رجل منكم "أن شبهتهم على الرسالة هي كون الرسول بشرا منكم كأن الاشتراك في البشرية وصفاتها العامة يقتضي التساوي في الخصائص والمزايا ويمنع الانفراد بشيء منها ، وهذا باطل بالاختبار والمشاهدة في الغرائز والقوى العقلية والعضلية ، وفي المعارف والأعمال الكسبية ، فالتفاوت بين أفراد البشر عظيم جدا لا يشبههم فيه نوع آخر من أنواع المخلوقات في عالم الشهادة ، ولو فرضنا التساوي بينهم في ذلك فهل يمنع أن يختص الخالق الحكيم من شاء منهم بما هو فوق المعهود في الغرائز والمكتسب بالتعلم ؟ كلا إنه تعالى قادر على ذلك وقد اقتضته حكمته ومشيئته ، ونفذت به قدرته ، وقد تقدم رد هذه الشبهة في أوائل سورة الأنعام .