ثم بين موضوع الرسالة بأسلوب الاستئناف الذي يقتضيه المقام وهو ما تتوجه إليه الأنفس من السؤال عما جاء به بدعواه من عند الله .فقال:{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} .قرأ أبو عمرو"أبلغكم "بالتخفيف مع الإبلاغ والباقون بالتشديد المفيد من التبليغ للتدريج والتكرار المناسب لجمع الرسالة باعتبار متعلقها وموضوعها وهو متعدد:منه العقائد وأهمها التوحيد المطلق الذي بدأ به ، ويتلوه الإيمان باليوم الآخر وبالوحي والرسالة وبالملائكة والجنة والنار وغير ذلك ( ومنه ) الآداب والحكم والمواعظ والأحكام العملية من عبادات ومعاملات ، ولو آمنوا به وأطاعوه لما كان لهم بد من كل ذلك .
{ وَأَنصَحُ لَكُمْ} قال الراغب النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه ..وهو من قولهم:نصحت لكم الود أي أخلصته ، وناصح العسل خالصه ، أو من قولهم نصحت الجلد خطته ، والناصح الخياط ، والنصاح ( ككتاب ) الخيط اه وفي الكشاف:يقال نصحته ونصحت له ، وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة وإنها وقعت خالصة للمنصوح مقصودا بها جانبه لا غير فرب نصيحة ينتفع بها الناصح فيقصد النفعين جميعا ، ولا نصيحة أمحض من نصيحة الله ورسله عليهم السلام اه فعلم منه أن الأصل في النصيحة أن يقصد بها صلاح المنصوح له لا الناصح ، فإن كان له فائدة منها وجاءت تبعا فلا بأس ، وإلا لم تكن النصيحة خالصة ، وفي الحديث عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله قال: "الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "{[1192]}رواه مسلم وأبو داود والنسائي .
{ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} قيل إن هذه الجملة معطوفة على ما قبلها والظاهر عندي أنها حالية .أي أبلغكم ما أرسلني الله تعالى به إليكم من علم وحكم وأنصح لكم بما أعظكم به من الترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، وأنا في هذا وذاك على علم من الله أوحاه إلي لا تعلمون منه شيئا أو:وأعلم من أمر الله وشؤونه ما لا تعلمونه وهو العلم بصفاته وتعلقها وآثارها في خلقه وسننه في نظام هذا العالم وما ينتهي إليه وما بعده من أمر الآخرة والحساب والجزاء فإذا نصحت لكم وأنذرتكم عاقبة شرككم وما اقتضته حكمته تعالى من إنزال العذاب بكم في الدنيا إذا جحدتم وعاندتم فإنما انصح لكم عن علم يقين لا تعلمونه .