وبعد أن ذكر المؤمنين الكاملين أخذ سبحانه وتعالى يبين صفاتهم فقال تعالى:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 2 ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( 3 )} .
ذكر الله بعد أن ذكر موجبات الإيمان من إصلاح ذات البين والتقوى والطاعة ذكر سبحانه صفات المؤمنين ، فذكر صفتين معينتين ، وعملين تدفع إليهما قوة الإيمان .
أول الأمرين الأولين – ذكره الله تعالى بقوله تعالت كلماته:{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ، الوجل الخوف منه والفزع إليه ، فالله سبحانه هو مالك الوجود من استحضر عظمته وجلاله وكبرياءه وملكوته خافه وفزع إليه في الملمات ، وركن إليه مطمئنا إلى ساحته العظمى ، فهو المخوف المحبوب المرجو في الملمات ؛ ولذا جاءت هذه الآية تقول:إن القلوب توجل لذكره ، أي ترهبه وتحس بعظمته ، وتعتمد عليه وحده ، وتطمئن بالالتجاء إليه ، كمن يخاف رجلا عظيما ، فيرهب قوته ، وفي الوقت ذاته يطمئن إليه ؛ ولذلك قال تعالى:{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( 28 )} ( الرعد ) ، فهو المخوف الذي يركن إليه .
وقال تعالى جامعا بين وجل المؤمن واطمئنانه:{ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ( 23 )} ( الزمر ) .
وثاني الأمرين –{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} أي إذا قرئت عليهم الآيات القرآنية زادتهم إيمانا ، فكل آية فيها نور مبين ، والإيمان استضاءة بالنور ، فكلما تعددت مشارق النور عم الضياء وازداد النظر إبصارا ، كذلك آيات الله تعالى ، كلما تليت عليهم آية أضاءت القلب وازدادوا نور الإيمان فازداد إيمانا ، فزيادة الإيمان بزيادة الدليل وكثرته ، وكل آية تقوي ناحية من نواحي الإيمان ،{ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ( 124 )} ( التوبة ) .
وهناك مسألة تثار ، وهي زيادة الإيمان ونقصه ، ونحن ممن يقولون إن الإيمان يزيد بتضافر الأدلة ، وكثرة الآيات الموحية ، فغنها تقويه وتثبته ، وتزيل الريب والشبهات ، وليست زيادة الإيمان إلا قوته ودعمه بالأدلة ، وكل آية في القرآن دليل قائم بذاته .
وهناك أمر ثالث – يتعلق بالأمرين السابقين ، وهو التوكل ؛ ولذا قال تعالى:{ وعلى ربهم يتوكلون} التوكل على الله تعالى حق توكله يتحقق بعد اتخاذ الأسباب في ثلاثة أمور:
أولها – أن يحس بأنه مهما يكمل إعداد أمره فإنه لا ينتج ثمرته إلا بإرادة الله تعالى ، فمن يظن أن الأسباب وحدها تنتج الأثر فقد ضل ؛ لأنه توهم أنه يؤثر في الإيجاد ، وذلك وهم يفسد العقول .
ثانيها – أنه يفوض أموره لله تعالى وحده .
ثالثها – ألا يعتمد على أحد سواه ؛ ولذا قال تعالى:{ وعلى ربهم يتوكلون} فقد الجار والمجرور على الفعل أي لا يتوكلون على أحد سواه ؛ وبهذا يكون التوكل عبادة من العبادات .
هذه الأحوال النفسية للمؤمن ، أما الأمور للعملية المدفوعة بأمور نفسية فهي إقامة الصلاة والإنفاق مما رزق الله تعالى:
{ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} .