{ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} .
وهاتان صفتان أو عملان لهما مظهر عملي ، ولهما مظهر نفسي إيجابي:
أولاهما – إقامة الصلاة ؛ أي الإتيان بها مقومة على وجهها من أداء الأركان الحسية مستوفاة ، وأن تكون مصورة للمعاني الروحية من خضوع وخشوع ، واستحضار لصفات الربوبية بأن يكون قائما بحق الله فيها كأنه يراه ، مستشعرا الإحساس بأنه في حضرة الله تعالى جل جلاله ، وبذلك تتحقق للصلاة خاصيتها ، وهي أنها تجانب المرء من فعل السوء ، كما قال:{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر . . . . . . . . . . . ( 45 )} ( العنكبوت ) ، فليست الصلاة نقر كنقر الديكة ، ولكنها تجرد لله تعالى ، وانصراف ، وقضاء في حضرته .
والتعبير بالمضارع في قوله تعالى:{ يقيمون الصلاة} يفيد المداومة عليها في أوقاتها من غير تخلف ؛ لأن التعبير بالمضارع يفيد التجدد المستمر الدائم ، والمحافظة عليها من غير انقطاع .
وإن الصلاة فريضة عملية مهذبة تجريدية لله سبحانه وتعالى ، وهي فريضة اجتماعية ، لتأليف مجتمع متحاب متواد مترابط بصلات من الرحمة والتعاون ، يجمعه الإلف الروحي والطهر والإخلاص والالتقاء عند الله تعالى في كل يوم خمس مرات .
ومهما يكن فالأساس في أمر الصلاة أنها تهذيب روحي ، وتأليف اجتماعي على الطهر ، واجتماع على الألفة والمودة والرحمة . أما الزكاة فهي تعاون اجتماعي ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها مغنم لا مغرم ، لأنها تغني الفقراء ، وتدفع الآفات الاجتماعية الناجمة عن الفقر ، ولقد قال تعالى:{ ومما رزقناهم ينفقون} أي أن الزكاة من رزق الله تعالى ، لا من فيها ، فالله هو المعطي وهو المنفق وهو الآمر وهو المكلف ، فتقديم الجار والمجرور ، لبيان الاختصاص أو القصر ، أي أن الإنفاق مما أعطاه الله دون غيره ، وفيه من الاهتمام بأنه من رزق الله الذي رزقه للأغنياء ليعطوا منه للفقراء ، فالمال مال اله ، والجميع عباد الله ، فهو يأخذ من مال الله ويعطي عباد الله . وإن الله اختبر بعض الناس بالمال وجعلهم مستخلفين ، كما قال تعالى في آية أخرى:{ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ( 7 )} ( الحديد ) ، وأمرهم بالعطاء ، واختبر بعض الناس بالفقر ، وأمرهم بالصبر والعمل واحتمال البلاء .