{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة} بما تجسّده من خضوعٍ لله ،واعترافٍ بالعبودية له في جميع مظاهرها وأشكالها…{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} بما يمثله الإنفاق من روحية العطاء في امتداده في حياة الناس ،وتأكيده على الشخصية الإنسانية التي لا تعيش الشعور بالذاتية في ما تملكه من طاقاتٍ ،بل تحسّ بالمشاركة للآخرين في ذلك كله ،لأنه رزق الله الذي أراد لعباده أن لا يحتكروه لأنفسهم ،في ما اقتضت حكمته من توزيع أرزاق عباده ،على أساس أن يكون رزق بعضهم في يد البعض الآخر ،مما يجعل من قضية العطاء حالةً تبادليّةً ،فلكلِّ شخص طاقةٌ يعطيها للآخرين ،وللآخرين طاقاتٌ يمنحونها له ...وهكذا كانت حركة المجتمع في شخصية الفرد ،في اتجاه حركة الفرد في شخصية المجتمع ،في تفاعل وتعاون وعطاء ...
وربما كان اختيار هذه الصفات في الحديث عن المؤمنين ،لأنها تمثل العناصر البارزة في حركة الإيمان في الداخل ،في هذا الخوف الدائم من الله ،وفي هذا النمو الحي للإيمان في أجواء المعرفة ،وفي هذه الثقة المطلقة بالله أمام المجهول في ما توحي به من وعي للمسؤولية والانضباط أمام روحية الخوف ،ومن تطلعٍ دائم إلى المعرفة كأساسٍ لتنمية الإيمان ،ومن شجاعةٍ وجرأة أمام تحديات المجهول ،كما أنها تمثل حركة الإيمان في العبادة في الصلاة ،من حيث هي المظهر الحي للاعتراف بالعبودية لله ،التي هي أساس الحرية في شخصية الإنسان أمام الآخرين ،وفي الإنفاق من حيث هو الامتداد الإنساني في حياة الآخرين ،في ما يملك من مالٍ وعلمٍ وجاهٍ وطاقةٍ حيّةٍ متحركة في خط الواقع ،ليكون ذلك كله أساساً للتطور والنموّ في شخصية الإنسان المسلم في الجوانب الأخرى ،التي يتكامل بها الإنسان ،وتتقدم بها الحياة .