ولقد حكم الله تعالى للمؤمنين الذين وجلت قلوبهم عند ذكر الله ، والذين يزداد إيمانهم إذا تليت آيات الله تعالى ، والذين بعد إحكام العمل ، لا يتوكلون إلا على الله ، حكم الله تعالى لهم بما كتب فقال:
{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ( 4 )} .
حكم الله تعالى لهم بأنهم المؤمنون حقا ، أي إيمانا حقا صادقا ، ثابتان وفي النص الكريم ما يدل على القصر ، أي أنهم وحدهم دون غيرهم المقصور عليهم وصف الإيمان ، أي لا مؤمن على وجه الكمال غيرهم ، وهذه شهادة من الله تعالى بانفرادهم بكمال الإيمان ، وكفى بالله شهيدا .
وقد وصفهم الله تعالى بثلاثة أوصاف هي صفات الكمال للمؤمنين:
أولها – أن لهم عند الله درجات ، والدرجات لا تذكر إلا للدرجات العليا ، ومعنى{ لهم درجات} ، أن السبق عند الله ، وأنهم علوا على الناس بهذه الدرجات فهو بيان للتشريف كما نقول – ولكلام الله المنزلة – لفلان مكانة عندي فأي درجة أعلى من درجات عند الله .
الوصف الثاني – أن لهم مغفرة أي غفار الذنوب وقابل التوب يغفر لهم وذلك تقريب من الله تعالى لهم ، فإنه تعالى يتجاوز عن سيئاتهم إذا تابوا وأنابوا ، وتلك منزلة مقربة ، وتثبيت ؟أنهم قريبون منه تبارك وتعالى .
والثالثة – رزق كريم ، والرزق عطاء الله تعالى ، وهو رزقان:مادي ومعنوي ، فأما المادي:فهو عطاء الله في الدنيا ، بحيث يغنيه عن الناس لا يجعل حاجته عند أحد ، بل تكون حاجته عند الله ، والمال نعمة لمن أحسن تحصيله ، فلم ينله إلا من حلال ، ولم ينفقه إلا في حلال ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ورد أنه قال:( نعم المال الصالح للمرء الصالح ) ( 1 ){[1148]} .
والمعنوي:هو رضا الله تعالى وتغمده برحمته في الآخرة ، بالنعيم المقيم وإبعاده عن العذاب الأليم ، فهذا رزق ، ومن الرزق المحامد ، وأن يقول أهل التقى فيه الخير ، ولا يقولون إلا خيرا ، ومن الرزق الكريم ألا يوفق لعمل السوء ، ولا يوفق إلا للخير .
ووصف الرزق بالكريم يفيد أنه لا يكسب إلا بشريف الأعمال ، ولا يتدلى في طلبه إلى حيث الأشرار ، والمعنى أنه يرزق من خير ، ولا ينفق إلا في خير ، ولا يكتسب إلا من مكان كريم ، والله يرزقه من حيث لا يحتسب .