سماع الحق:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ( 22 ) وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ( 23 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 24 ) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 25 )
إن الله تعالى أعطى الإنسان أدوات الفهم التي تميزه عن الحيوان ، وتجعله كونا مستقلا قائما بذاته ، وما ذلك إلا ليحتل المكانة التي هيأها الله تعالى له في هذا العالم بين العالمين فقال تعالى:{ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ( 78 )} ( النحل ) . فالسمع لمعرفة ما أمر الله ، والبصر لمعرفة آيات الله في كونه ، والأفئدة ليدرك وليفهم ويعلم ، وهذا شكرها .
وإنه إذا فقد ما خصه الله تعالى به من هذه النعم فقد نزل من درجات الإنسانية إلى حضيض الحيوانية ، وكان شر الدواب في هذا الكون ؛ ولذا قال تعالى:{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} .
الدواب جمع دابة وهي ما يدب على وجه الأرض من النملة إلى الحشرة إلى ما فوق ذلك ، وإنه إذا عبر عن الإنسان بأصغر ما ينطبق على اسم الدواب والحيوان كان ذلك تحقيرا له واستهانة بأمره من زعيم يرفع ويخفض إلى حيوان لا يملك من أمره شيئا ، تدعكه الأرض بالأقدام ، وهو حيوان كله آفات ، ليس بكامل بل هو أصم لا يسمع ، أبكم لا ينطق ، وهو لا يعقل فليس يفقه ، ولا عقل يعقل ، إنه شائه ( 1 ){[1159]} في ذاته ، ناقص في كونه ، وإن كان ذا رواء ؛ لأن تقدير الإنسان ليس بشكله وصورته ، ولكن بقلبه وعمله .
وفي الكلام استعارة تمثيلية شبه فيها من لا يسمع الحق ولا يدركه ، ولا يبصر الآيات ولا يتأملها ، ومن لا يفقه الحق ولا يدرك بالدابة التي لا تسمع مواطئ الأقدام ، فتطؤها ، ومن لا ينطق مستغيثا ، فتدقه الأمور دقا ، ومن لا يعقل ما يضره فيكون ، فريسة الكل ، وجامع التشبيه هو عدم الفائدة من هذه الحواس فهي إذا كانت ذات فائدة في ذاتها فإنه لا يستفيد منها ، ومن لا يستفيد من شيء فوجوده وعدمه سواء .
وإن تشبيه الكافر بالدابة هو أصغر تشبيه له ، وقد قال تعالى في تشبيهه:
{ ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ( 171 )} ( البقرة ) .
وكقوله تعالى:{ أولئك كالأنعام بل هم أضل ( 179 )} ( الأعراف ) .
وإنهم لو سمعوا لا يجيبون ؛ ولذا قال تعالى:
{ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} .