/م20
{ إن شر الدّواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} الدواب جمع دابة وهو كل ما يدب على الأرض قال في سورة النور{ والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع} [ النور:45] الآية وقلما يستعمل هذا اللفظ في الإنسان وحده وإنما يغلب في الحشرات ودواب الركوب ، فإن كان قديما فهو هنا يشعر بالاحتقار .
والمعنى إن شر ما يدب على الأرض في حكم الله الحق هم الأشرار من البشر"الصم "الذين لا يلقون السمع لمعرفة الحق والاعتبار بالموعظة الحسنة فكانوا بفقد منفعة السمع كالذين فقدوا حاسته ،"البكم "الذين لا يقولون الحق ، كأنهم فقدوا قوة النطق ،"الذين لا يعقلون "أي فقدوا فضيلة العقل الذي يميز بين الحق والباطل ، ويفرق بين الخير والشر ، إذ لو عقلوا لطلبوا ، ولو طلبوا سمعوا وميزوا ، ولو سمعوا لنطقوا وبينوا ، وتذكروا وذكروا ، كما قال تعالى:{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} [ ق:37] فهم لفقدهم منفعة العقل والسمع والنطق كالفاقدين لهذه المشاعر والقوى ، بأن خلقوا خداجا أو طرأت عليهم آفات ذهبت بمشاعرهم الظاهرة والباطنة ، بل هم شر من هؤلاء لأن هذه المشاعر والقوى خلقت لهم فأفسدوها لعدم استعمالها فيما خلقها الله تعالى لأجله في سن التمييز ثم التكليف ، فهم كما قال الشاعر:
خلقوا وما خلقوا لمكرمة*** فكأنهم خلقوا وما خلقوا
رزقوا وما رزقوا سماح يد*** فكأنهم رزقوا وما رزقوا
وإذا أردت فهم الآية فهما تفصيليا فارجع إلى تفسيرنا لقوله تعالى:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} [ الأعراف:179] ولم يصفهم هنا بالعمى كما وصفهم في آية الأعراف وآيتي البقرة لأن المقام هنا مقام التعريض بالذين ردّوا دعوة الإسلام ، ولم يهتدوا بسماع آيات القرآن .