ولما كان القول بلا عمل ،والاستماع بلا تأثر ،أحد الأمراض التي تصاب بها المجتمعات ،وأساس الكثير من التخلفات ،فقد جاءت الآية الأُخرى لتؤكّد على هذه المسألة بأُسلوب آخر ،فقالت: ( إنّ شرّ الدّواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ){[1536]} .
ولمّا كان القرآن كتاب عمل فإنّه ينظر إِلى النتائج دائماً ،فيعتبر كل موجود لا فائدة فيه كالمعدوم ،وكل حي عديم الحركة والتأثير كالميت ،وكل حاسّة من حواس الإنسان مفقودة إذا لم تؤثر فيه تأثيراً ايجابياً في مسيرة الهداية والسعادة ،وهذه الآية اعتبرت الذين لهم آذن سالمة لكنّهم لا يستمعون لآيات الله ودعوة الحق ونداء السعادة ،كمن لا أذن له ولا سمع لديه ،والذين لهم ألسنة سالمة لكنّها ساكتة عن الدعوة إِلى الحق ومكافحة الظلم والفساد ،فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ،بل يضيعون هذه النعمة في التملق والتذلل أمام الطواغيت أو تحريف الحق وتقوية الباطل ،فهؤلاء كمن هو أبكم لا يقدر على الكلام ،وكذلك الذين يتمتعون بنعمة الفكر والعقل ولكنّهم لا يصححون تفكيرهم ،فهؤلاء في عداد المجانين .