{ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} .
هذا ترشيح للاستعارة التي قوامها تشبيه حالهم في أنهم لا يسمعون سماع تدبر ، ولا يبصرون بصر تأمل ، بمن لا يسمعون ولا يبصرون فهذا النص تقوية للتشبيه ؛ لأنه قرينة تساعد المشبه به .
وإن الله تعالى بكل شيء عليم ، فهو سبحانه يعلم ما كان وما سيكون ، وهو قد قدر كل شيء بعلمه ، وقد قدر سبحانه في علمه أنهم لا يهتدون ؛ لأنهم لم يسلكوا طريق الهداية ، ولن يسلكوه ، وذلك لا ينافي اختيارهم ، كما قال الإمام علي – كرم الله وجهه – وفسر قدر الله بعلمه الواسع المحكم .
{ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ} ( لو ) هي حرف امتناع لامتناع ، أي امتنع إسماع تعالى لهم الكلام إسماع تدبر وإدراك لما فيه من تهديد وإنذار وتبشير ، وامتنع ذلك لأنه لم يعلم خيرا في السماع ، والمعنى لو علم الله أنه سيترتب على سماعهم تدبرهم وتفكرهم ، وأنه سيترتب خير كالعظة والاعتبار – لأسمعهم .
ولبيان أن من كتب الله تعالى شقوتهم لا جدوى معهم فقال:{ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} ولو سمعوا سماع تدبر ، وإمعان وإدراك ما صبروا على الحق ، بل إن قلوبهم في ريب دائم مستمر ، واضطراب لا استقرار معه ، فالحق يحتاج البقاء عليه إلى صبر ، ودوام تأمل وتفكر ؛ فليس الإيمان واقعة تمر ، بل هو حال مستمرة دائمة يغذيها التدبر ، ويقويها طول التأمل ، وهؤلاء ، إن سمعوا وتفكروا حينا ، لا تستمر بشاشة الإيمان في قلوبهم .
ولذا قال تعالى في جواب الشرط:{ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} وهذه صورة حال المعرضين بعد أن كاد يدخل نور الإيمان قلوبهم ، التولي أن يولى جنبه بدل وجهه ولإظهار أنه معرض شبهت حالهم وقد أعرضوا عن الحق وتركوه بحال الذين يديرون وجوههم وهم معرضون ، غير مقبلين .