الإسلام قوة للمؤمنين إن آمنوا به
وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 26 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 27 ) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ( 28 ) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( 29 )
إنه لكي تشعر الجماعات والأفراد بنعمة الحاضر يجب أن تعرف الماضي ، وأن تكون صورته حاضرة دائما في حاضرها ، وكذلك إذا عرفت ما كان في ماضيها من خير أدركت ما عساه يكون حاضرها ، ومن حكمة الله وسنته دائما أن يجعل الماضي نورا للحاضر ، أو يكون فيه عبرة للمعتبر{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما أنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ( 11 )} ( الرعد ) .
يذكر الله سبحانه وتعالى ما كان بالمؤمنين من ضعف ليذكروا ما هم فيه من قوة ونعمة ، وليشكروه على ما أعطاهم وعلى ما آتاهم ، فيقول:{ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ} .
( الواو ) عاطفة على قوله تعالى:{ استجيبوا لله وللرسول} الوقت هنا ( إذ ) مفعول به ، وليست مفعولا فيه ، فالذكر ليس ظرفه الوقت ، وإنما ذات الوقت هو المذكر ، والوقت إذا كان في الوقت يكون مظروفا فيه لا يعدوه ، وأما إذا كان هو المقصود فيكون الذكر لذات الوقت ، وما كان فيه من أحداث وأحوال .
والمعنى:اذكروا في زمن العزة زمن الذلة ، وصور الله سبحانه وتعالى الحال فقال:{ إذ أنتم قليل} أي:عدد قليل فإن الإسلام إذا نشأ كان عدد المسلمين قليلا ، وكان المشركون يستذلونهم ، ويستضعفونهم ويؤذونهم ، مرة بالسخرية والاستهزاء ، ومرة بالضرب والأذى ، ومرة بوضع الحجر المحمى على ظهورهم ، حتى كانوا يضطرونهم إلى أن ينطقوا بكلمة الكفر ، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان ، ولم يسلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأذى ، حتى إنه ليرمى عليه فرث الجزور وهو يصلي ، ومع هذا الاستضعاف في الأرض غير مستقرين في أنفسهم وأموالهم فهم في خوف وفزع واضطراب ؛ ولذا وصفهم الله تعالى بقوله:{ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} والتخطف معناه:سلبهم أو سلت أموالهم سريعا من غير تلبث ، والتخطف هو موضع الخوف ، ولا يكون معه استقرار أبدا ، فلا يأمن التاجر ، ولا العامل ، ولا الزارع ، لا على ماله ، ولا على نفسه ؛ ولذلك كانت منهم الهجرة إلى الحبشة ، وقد بين الله نعمته بالإيواء والتأييد بالنصر ، والرزق من الطيبات
فقال سبحانه:{ فآواكم} بالهجرة إلى المدينة حيث الإخوة بالمدينة الذين آووا ونصروا وعوضكم عن نصرة القرابة والنسب التي عقها الشرك أخوة الإيمان ، وآثروكم على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة وقال:{ وأيدكم بنصره} فجعل لكم الغلب والقوة ، وكان يوم الفرقان ، إذ جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ، وأعزكم بعد ذلك ، وصاروا هم – أي الكفار – يخافون الاختطاف العادل ، وسلبهم الله تعالى الأمن والاطمئنان . وقال:{ ورزقكم من الطيبات} أي الطعام الطيب في ذاته ، والطيب في طريق الحصول عليه ، فوجدتم في المدينة الزرع والثمار بدل الجدب ، وأعطاكم من غنائم المشركين حلالا طيبا ، ثم قال سبحانه:{ لعلكم تشكرون} أي رجاء أن تشكروه على ما أنعم .
ونجد أن الخطاب للمؤمنين ليشكروه على ما أنعم من نعم نالوها بإيمانهم ، واتجه بعض المفسرين إلى أن الآية نعمة الإسلام على العرب ، بعد أن دخل الناس في الإسلام أفواجا ، أفواجا ، ولا يقصر الإيواء والنصر على ما كان بعد الهجرة مباشرة ، بل يعم ما شمل العرب من خير عميم ، وجاء ذلك في أقوال بعض التابعين ، فقد روي عن قتادة السدوسي في هذه الآية أنه قال:( كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا ، وأشقاها عيشا ، وأجوعها بطونا ، وأعراها جلودا ،و أبينها ضلالا ،من عاش منهم عاش شقيا ،و من مات منهم زوى في النار . يؤكلون ، ولا يأكلون ، والله ما نعلم من حاضر أهل يومئذ من كانوا شرا منزلا منهم حتى جاء الإسلام ، فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم ملوكا على رقاب الناس ، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله ) .
وإن هذا ليس رأيا مغايرا للتفسير السابق ، ولكنه حكم بعموم النعمة على العرب أجمعين ، لا للذين هاجروا وجاهدوا ، وأيدهم الله تعالى بنصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل كان العرب ؛ إذ رفعهم من جهل إلى علم بالإيمان ، ومن شظف العيش إلى عيش رفيع ، حتى لقد قال خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( والله ليتألمن من النوم على الصوف الأذربي كما يتألم أحدكم من النوم على حسك السعدان ) ،