{ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض} قيل إن الخطاب للمهاجرين يذكرهم بما كان من ضعفهم وقلتهم بمكة- وقيل إنه للمؤمنين كافة في عهد نزول السورة يذكرهم بما كان من ضعف أمتهم العربية في جزيرتهم بين الدول القوية من الروم والفرس ، ولا مانع فيه من إرادة هذا وذاك معا فقوله تعالى:{ تخافون أن يتخطّفكم الناس} أي تخافون من أول الإسلام إلى وقت الهجرة أن يتخطفكم مشركو قومكم من قريش وغيرها من العرب ، أي أن ينتزعوكم بسرعة فيفتكوا بكم- كما كان يتخطف بعضهم بعضا خارج الحرم وتتخطفهم الأمم من أطراف جزيرتهم .قال تعالى في أهل الحرم{ أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم} [ العنكبوت:67] .
{ فآواكم} يا معشر المهاجرين إلى الأنصار{ وأيّدكم} وإياهم{ بنصره} في هذه الغزوة ، وسيؤيدكم على الروم وفارس وغيرهم كما وعدكم في كتابه بالإجمال وبينه لكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتصريح{ ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون} هذه الثلاث وغيرها من نعمه ، فيزيدكم من فضله كما وعدكم بقوله:{ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} [ إبراهيم:7] .
وقد جاء في الدر المنثور من تفسير هذه الآية بالمأثور باختصار قليل ما نصه:
أخرج ابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله:{ واذكروا إذ أنتم قليل} الآية ، قال كان هذا الحي أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا وأبينه ضلالة ، معكوفين على رأس حجر بين فارس والروم لا والله ما في بلادهم ما يحسدون عليه ، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات منهم ردي في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، لا والله ما نعلم قبيلا من حاضر الأرض يومئذ كان أشر منزلا منهم ، حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد ووسع به في الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس ، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا لله نعمه فإن ربكم منعم يحب الشكر وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله:{ يتخطفكم الناس}:في الجاهلية بمكة{ فآواكم} إلى الإسلام ، وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:{ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم الناس} قيل يا رسول الله:ومن الناس ؟ قال:( أهل فارس ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله:{ فآواكم} قال إلى الأنصار بالمدينة{ وأيّدكم بنصره} قال يوم بدر اه .
/خ26