هذا حال الأسرى إن آمنوا واستبدلوا بالكفر إيمانا ، والأكثرون منهم كانوا كذلك ، ومنهم من خانوا ما عاهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن عاهده النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ألا يدعو الجموع ضد ، فمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير فداء ، فعاد ورفع عقيرته بالدعوة ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألب الناس عليه داعيا لأخذ الثأر ؛ ولذا قال:
{ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( 71 )} .
الزمخشري لا يعد الضمير يعود على الكفار الذين يخونون العهود في المستقبل ، والذين خانوا عهد الله بارتدادهم ، ويذكر أنه ربما يعود على الأسرى الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يكفوا ألسنتهم عنه فلم يكفوها وأبلوا الناس ، وهؤلاء خانوا .
ويلاحظ أن الله تعالى يقول:{ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ} ، أي وسوست لهم شياطينهم بالخيانة وأرادوها ، فإن أرادوها فخذ حذرك منهم ولا تأس عليهم ، فقد خانوا الله تعالى وكفروا به وأشركوا به الأوثان وهموا أن يقتلوك ، فأمكن الله تعالى أهل الإيمان منهم ، وأعلنوا بذلك كلمة الحق والإيمان .
وإن مضمون النص يجعلني أميل إلى أن الضمير لا يعود على الأسرى ، ولا يعود على من ذكر الإيمان ورده من المشركين وأظهروا أنهم يريدون تقربا للمسلمين .
وإنما أميل إلى الذين جنحوا للسلم ، وأمر الله نبيه أن يجنح ولا يمنعه أن يحاولوا خديعته ؛ لأن الله حسبه ، وفي هذه الآية بين الله تعالى لنبيه أنه يجب أن يستمر غير ملتفت لهم إن أرادوا خيانة بعد أن جنحوا للسلم ، ولكن أرادوا خيانتك ، وألا يهتم لخيانتهم في ذاتها ، وألا يأسى على خيانتهم بعد أن جنحوا للسلم والله تعالى ينبه نبيه بأنهم إن أرادوا خيانتك بأن هموا بالانقضاض على المؤمنين ، فإنهم قوم من طبعهم الخيانة فقد خانوا الله تعالى من قبل بأن عبدوا الأحجار والأوثان وهموا بأن يقتلوا الرسول ، أو يحبسوه أو يخرجوه ، وخانوا الله تعالى بخيانته أهله فلا تأس عليهم ، والله من ورائهم محيط ؛ ولذا ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله:{ والله عليم حكيم} أي عليم بخبايا نفوسهم ، وما تحدثهم به خواطرهم ، وبنزعات نفوسهم ، وقد رتب لهم سبحانه ما يصلح لهم بمقتضى علمه وحكمته ، فهو حكم من يضع الأمور في مواضيعها ، ويدبر لك بحكمته ، فلا تخش وبالهم ، والعاقبة للمتقين .