{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون105} .
أمر الله تعالى نبيه بأن يخاطب المؤمنين الذين أخطأوا والذين لم يخطئوا بأن العبرة بالعمل الحاضر ، فإن كانوا عصاة فليتوبوا ، وإن كانوا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم فليستمروا على المنهاج الذي ارتضاه لهم ربهم ، أمر نبيه بأن يقول لهم:{ اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} .
إذا كان الله تعالى يقبل توبتكم ، وباب التوبة مفتوح لا يغلقه الغفور الرحيم ، فاعملوا أيها الناس ، اعملوا لما يرضي الله تعالى ولا يمنعكم ذنب أذنبتموه ، أو خطأ وقعتم فيه من أن تعملوا ، والخطاب عام للمؤمنين وغيرهم وليس للتوابين وحدهم ، ولا للمتخلفين وحدهم ، ولكنه موجه للجميع ، ليعمل المذنب الخير ويستره غيره .
وقوله تعالى:{ فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} قال بعض المفسرين إن في ذلك تهديد أو إنذار ، ولكن نرى أن فيه تحريضا على العمل الصالح ورؤية الله تعالى يعقبها جزاؤه إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، والرسول يرى العمل فإن كان خيرا أقره ، وإن كان شرا نبه إليه ودعاهم للإقلاع عنه ، ورؤية المؤمنين ليعلموا حال من يخالطونهم فإن كانوا أشرارا نصحوهم ثم اجتنبوهم ، وإن كان عملهم خيرا عاونوهم وأقروهم ، وأكد أنه والرسول ومن معه يرون الأعمال ، وذلك لأن ( السين ) تفيد تأكيد تحقق الوعد الذي وعده الله تعالى ، ولقد جاء في الحديث الصحيح برواية أبي سعيد الخدري:"ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان"{[1277]} والناس يشهدون على الخير خيرا وعلى الشر شرا ، والرسول يشهد على الناس ، كما يشير قوله تعالى{. . .لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . . .143} ( البقرة ) .
{ وستردون إلى عالم الغيب والشهادة} .
السين لتأكيد وقوع ما بعدها في المستقبل ، أي ستعودون إليه سبحانه ، وتعرض عليه أعمالكم لا تخفى منها خافية ، فإن الجزاء يكون خيرا ، وإلا فالعاقبة السوءى .
وهذه الجملة السامية فيها تبشير وإنذار ، تبشير للمؤمنين ، وإنذار للمشركين الذين عصوا أمر ربهم ، واستمروا في عصيانهم وضلالهم .
وفي الكلام السامي إظهار في موضع الإضمار ؛ لأنه سبحانه وتعالى قال عز من قائل:{ وستردون إلى عالم الغيب والشهادة} ولم يقل- ولكلامه المثل الأعلى – "وستردون إليه"وذلك للإشارة إلى أن الأمر سيرجع إلى من لا تخفى عليه خافية في السماء والأرض ، والغيب ما غاب عن الحس ، أو ما أخفته الصدور ، وما أسروه في نفوسهم ، فهو يعلن خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور ، والشهادة هي الأمر المعلن الذي تشاهده الجوارح مبصرة أو سامعة ، أو باطنة ، يعلم سبحانه كل شيء ما يسر وما يعلن ، وما يظهر وما يختفى ، سبحانه علام الغيوب .
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى الجزاء الواقع لا محالة فقال تعالت كلماته:{ فينبئكم بما كنتم تعملون} ( الفاء ) للإفصاح عن شرط مقدر ، أي إذا كنتم ستردون إليه سبحانه فإنه ينبئكم أي يخبركم إخبار فعل وجزاء بما كنتم تعملون ، فترون أعمالكم عيانا ، تنطق بها جوارحكم ، وكتابا منشورا قد سجل كل ما عملتم ، لا يدع صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فتجزى كل نفس بما كسبت .
وإن هذا فيه تبشير للمؤمن ، وإنذار للمشرك والمنافق ، وأعمالهم كلها في كتاب .