الدعوة إلى العمل
ثم يطرح الشعار الذي أراد الله للإنسان أن يحمله كعنوانٍ للمسيرة كلها ،بعيداً عن كل أجواء الاستعراض والمباهاة والكلمات المنفتحة غير المسؤولة:{وَقُلِ اعْمَلُواْ} فقد جعل الله العمل أمانةً في عنق الإنسان ،لأنه هو الذي يؤكد صدق الإيمان وجدّيته ،وهو الذي يحقق للحياة نموّها ومصداقيتها وتقدّمها ،وهو الذي يجعلها تتحرك في اتجاه التغيير ،{فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} بسبب ما يطّلع عليه من خفايا عباده وظواهرهم{وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} من خلال ما يتابعون به المسيرة من رعايةٍ وعنايةٍ وتقييم .
معنى أن يرى الله
وربّما حاول البعض أن يتعمّق في معنى الرؤية كما نقل عن محيي الدين ابن العربي في الجزء الرابع من «الفتوحات المكيّة » ،وتلخيصهكما جاء في تفسير الكاشف:"إن معنى الرؤية يختلف باختلاف الرائي ،فمعنى الرؤية من الله للشيء أن يحيط به علماً من جميع جهاته ،ومعناها من الرسول أن يعلم الشيء المرئيّ من وجهة الوحي الذي نزل عليه ،ومعناها من المؤمن العارف أن يعلمه بقدر ما علم وفهم من الوحي المنزل على الرسول( ص ) ".ويتابع صاحب التفسير توضيحه للفكرة فيقول: «وعلى هذا ،فمن عمل لله ،فإن الله يعلم حقيقة عمله ،ويرضى عنه ،والرسول يعلم أيضاً أنّ هذا العمل مرضيٌّ عند الله ،والمؤمن العارف يعلم أنّه مرضيٌّ عند الرسول ،والنتيجة الحتمية لذلك أن من يعمل صالحاً فهو مرضيٌّ عند الله والرسول والمؤمنين ..» .
ولكننا لا نحسب أن المسألة تحتاج إلى مثل هذا التحليل ،أو أنها تتجه هذا الاتجاه في تفسير الآية ،فإن الظاهر منها الدعوة إلى العمل تحت رقابة الله والرسول والمؤمنين ،في ما يمثله ذلك من تعميق الإِحساس بالمسؤولية في حركة العمل في نفس الإنسان من خلال وعيه للرقابة الشاملة من جميع الجوانب ،وربما يؤيّد هذا المعنى الفقرة التالية:{وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} الذي أحاط بكل شيء علمه ،في ما يخفيه الإنسان أو يظهره{فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لأن النبي والمؤمنين إذا رأوا الأعمال ،فإنهم لا يملكون الحكم عليها وعلى أهلها ،فالله هو الحاكم في عملية التقييم ،لأنه المطّلع على خفايا الأمور وبواطنها .