وقد فتح الله سبحانه وتعالى باب التوبة لمن تخلف ، وعصا ، بعد ذلك ذكر أناس ممن تخلفوا لم يكتب عليهم الشقوة بل لا يزال الباب مفتوحا للتوبة ، فإما يتوبون ، وإما يعذبهم الله على نفاقهم وتخلفهم ، فقال تعالى:{ وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم106} .
ذكرنا أن الذين دعوا إلى الخروج إلى الغزوة التي كانت فتحا للطريق إلى بلاد الشام وما وراءها من الأرض التي كان الروم يسيطرون عليها ، وأشرنا إلى أنه كان فيهم السباقون إلى المكرمات المهاجرون والأنصار ، وكان فيهم المنافقون المعوقون الذين يعتذرون المعاذير الكاذبة ، ويحلفون الأيمان الفاجرة ، ومنهم من كانوا مخلصين ، واعترفوا بذنوبهم في التأخر ، وقد ذكر في هذه الآية فريقا ، قد أرجئ أمرهم ترجى منهم توبة .
يقول تعالى:{ وآخرون مرجون لأمر الله} أي ما قدر في علمه المكنون بالنسبة لهم ، ومرجون أي مؤجلون لأمر الله تعالى فيهم ، وما قرره سبحانه وتعالى بالنسبة لهم وهو مطوى في علمه المكنون لهم ، وخفى عنكم وعنهم ، ومرجون أصلها مرجئون ، قلبت الهمزة ياء وحذفت لوجود واو الجمع ، وبعض المفسرين يقول إنهم من المنافقين ، ويحتمل توبتهم فيتوب الله تعالى عليهم ، ويحتملوا أن يبقوا مصرين على نفاقهم ليعذبهم سبحانه ، وبعض المفسرين ذكر أنهم من الفريق الذي اعترفوا بذنوبهم ، وبعضهم ربطوا أنفسهم في سواري المسجد حتى بين سبحانه وتعالى قبول توبتهم ففك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وثاقهم ، وآخرون لم يفعلوا ذلك ، وهؤلاء الثلاثة المخلفون الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وسنذكرهم من بعد عند تفسير الآية التي تصرح بأمرهم ، وإني أميل إلى الأول ، فإن الثلاثة خصوا بآية تذكر حالهم .
وقوله تعالى:{ إما يعذبهم وإما يتوب عليهم} ( إما ) هنا تدل على أن نهايتهم مترددة بين حالين ، إما أن يستمروا على نفاقهم فيعذبهم الله تعالى ، ومأواهم جهنم وبئس المصير ، وإما أن يتوبوا فيتوب الله عليهم ، ويفيض عليهم سابغ رحمته .
والتردد ليس بالنسبة لله تعالى فإن يعلم مآلهم ، إذ هو يعلم ما كان وما يكون ، فيعلم ما سيئول إليه أمرهم من غير إخبارهم ، إنما علمه إحاطة ، وأعمالهم بإرادتهم .
وإنما التردد بالنسبة للمخاطبين والمتحدث عنهم ، فإنهم لا يعلمون إلا ما يقع بالفعل ، ويعاينونه ، ولا يعلمون ما سيقع ، وقدره الله سبحانه ، ولذا ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله عز من قائل:{ والله عليم حكيم} أي عليم بكل ما يقع في المستقبل مما غيب عليكم ، حكيم يقدر الأمور في نطاق حكمته ، وهو العزيز الحكيم .