كانت هذه الآية إخبارا بمقام الرسول من قومه ، وتنويه بالشريعة التي جاء بها ، ودعوة إلى اتباعه ، فمن اتبعه ، فقد اهتدى ، ومن لم يتبعه فقد تعرض للغواية وبعد عن الهداية ، ولذا قال تعالى:{ فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم129} .
( الفاء ) هنا لربط الآية بسابقها ، ترتيب أمر على أمر ، يعد نقيضا له ، فإن كون الرسول من أوسطهم نسبا ، وأنه عزيز عليه عنتهم ، وأنه رءوف رحيم بهم كان يوجب عليهم أن يطيعوه ، فهو لا يمكن أن يكون في دعوته ما يضيرهم أو يشق عليهم ، بل فيه تنزيه لقلوبهم عن الشرك والضلال ، مع هذا إن تولوا –أي انصرفوا ، وهم معرضون ، وقد شبهت حال الإعراض الفكري ، بحال التولي الحسي ، لكمال معارضتهم للشرع ،{ فإن تولوا} فعل شرط جوابه:{ فقل حسبي الله لا إله إلا هو} أيإن لم يجيبوك فقل حسبي ، أي يكفيني أن يكون الله معي ، وهو صاحب الملك كله ، لا إله إلا هو ، فلا أعبد سواه .
والآية الكريمة تومئ إلى أنه كان بمقتضى ما تتضمنه الآية السابقة من معاني يكون نصراؤه منهم ، وناشرو دعوة الله إلى الحق منهم ، بل إنه كان يرجى منهم حتى بمقتضى عادة العرب أن يؤيدوه ، ولا يخذلوه . ولكنهم إن خذلوه ، فالله معه ، وهو كافيه عن الحاجة إلى غيره ، ولذا قال سبحانه:{ عليه توكلت} ، أي توكلت عليه وحده ، لا أعتمد على أحد غيره سبحانه وتعالى ، وتقديم الجار والمجرور ( عليه )على الفعل( توكلت ) يفيد القصر ، أي أنه لا يتوكل أحد من العباد ، ما دام الله تعالى كافله وعاصمه من الناس ، كما قال تعالى:{. . . .والله يعصمك من الناس . . .67}( المائدة ) .
وقد وصف الله سبحانه وتعالى ما يدل على سعة سلطانه ، وعزة ما يعتمد عليه ، فقالت تعالت كلماته:{ وهو رب العرش العظيم} الضمير يعود على لفظ الجلالة ، ورب معناها مالك ، والعرش هنا تفسيره بالسلطان ، أو ما يشبه كرسي الملك ، والمعنى:والله هو مالك السلطان الكامل في هذا الوجود ، يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويعلي من يشاء ويخفض من يشاء ، وهو الحكيم الخبير ، فمن يلتجئ إلى الله فقد التجأ إلى من يدفع كل شر ، وكل سوء ، ومن يعلي الحق .
وقوله:{ رب العرش العظيم} ،في ( العظيم )قراءتان:إحدهما بضم الميم ، في العظيم ، والثانية –بكسرها- فالقراءة بالضم تكون وصفا لرب العرش ، أي لا تكون وصفا لله ، وهو العظيم الذي لا يقدر قدره ؛ لأنه فوق التقدير ، وعلى قراءة الكسر تكون وصفا للعرش ، وهو يثبت أن سلطان الله تعالى عظيم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .