وهذه الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى:( فإن تولوا ) أي:تولوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ، ( فقل حسبي الله ) أي:الله كافي ، لا إله إلا هو عليه توكلت ، كما قال تعالى:( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل:9] .
( وهو رب العرش العظيم ) أي:هو مالك كل شيء وخالقه ، لأنه رب العرش العظيم ، الذي هو ، سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .
قال عبد الله بن الإمام أحمد:حدثني محمد بن أبي بكر ، حدثنا بشر بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن أبي بن كعب قال:آخر آية نزلت من القرآن هذه الآية:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى آخر السورة .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد:حدثنا روح بن عبد المؤمن ، حدثنا عمر بن شقيق ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، رضي الله عنه ؛ أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر ، رضي الله عنه ، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب ، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة ( براءة ):( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) [ التوبة:127] ، فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن . فقال لهم أبي بن كعب:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) إلى:( وهو رب العرش العظيم ) قال:"هذا آخر ما أنزل من القرآن "قال:فختم بما فتح به ، بالله الذي لا إله إلا هو ، وهو قول الله تعالى:( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء:25] غريب أيضا .
وقال الإمام أحمد:حدثنا علي بن بحر ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد ، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنه ، قال:أتى الحارث بن خزمة بهاتين الآيتين من آخر ( براءة ):( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى عمر بن الخطاب ، فقال:من معك على هذا ؟ قال:لا أدري ، والله إني لأشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها . فقال عمر:وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم قال:لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن ، فضعوها فيها . فوضعوها في آخر ( براءة ) .
وقد تقدم أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار على أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما ، بجمع القرآن ، فأمر زيد بن ثابت فجمعه . وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك . وفي الصحيح أن زيدا قال:فوجدت آخر سورة "براءة "مع خزيمة بن ثابت - أو:أبي خزيمة وقدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها ، والله أعلم .
وقد روى أبو داود ، عن يزيد بن محمد ، عن عبد الرزاق بن عمر - وقال:كان من ثقات المسلمين من المتعبدين ، عن مدرك بن سعد - قال يزيد:شيخ ثقة - عن يونس بن ميسرة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال:من قال إذا أصبح وإذا أمسى:حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، إلا كفاه الله ما أهمه .
وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عبد الرزاق بن عمر "هذا ، من رواية أبى زرعة الدمشقي ، عنه ، عن أبي سعد مدرك بن أبي سعد الفزاري ، عن يونس بن ميسرة بن حليس ، عن أم الدرداء ، سمعت أبا الدرداء يقول:ما من عبد يقول:حسبي الله ، لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، صادقا كان بها أو كاذبا ، إلا كفاه الله ما همه .
وهذه زيادة غريبة . ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد ، عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق ، عن جده عبد الرزاق بن عمر ، بسنده فرفعه فذكر مثله بالزيادة . وهذا منكر ، والله أعلم .
آخر سورة ( براءة ) ، والحمد لله وحده .