يقول تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم ، أي:من جنسهم وعلى لغتهم ، كما قال إبراهيم ، عليه السلام:( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) [ البقرة:129] ، وقال تعالى:( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) [ آل عمران:164] ، وقال تعالى:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) أي:منكم وبلغتكم ، كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ، والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى:إن الله بعث فينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصفته ، ومدخله ومخرجه ، وصدقه وأمانته ، وذكر الحديث .
وقال سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه في قوله تعالى:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) قال:لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية ، وقال صلى الله عليه وسلم:"خرجت من نكاح ، ولم أخرج من سفاح ".
وقد وصل هذا من وجه آخر ، كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي في كتابه "الفاصل بين الراوي والواعي ":حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زياد ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال:أشهد على أبي لحدثني ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح ، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يمسني من سفاح الجاهلية شيء ".
وقوله:( عزيز عليه ما عنتم ) أي:يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها ؛ ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال:"بعثت بالحنيفية السمحة "وفي الصحيح:"إن هذا الدين يسر "وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة ، يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه .
( حريص عليكم ) أي:على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم .
قال الطبراني:حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن فطر ، عن أبي الطفيل ، عن أبي ذر قال . تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما - قال:وقال صلى الله عليه وسلم:"ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا [ أبو] قطن ، حدثنا المسعودي ، عن الحسن بن سعد ، عن عبدة النهدي ، عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها منكم مطلع ، ألا وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار ، كتهافت الفراش ، أو الذباب ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان ، فيما يرى النائم ، فقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه . فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه:اضرب مثل هذا ومثل أمته . فقال:إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به ، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة فقال:أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة ، وحياضا رواء أتتبعوني ؟ فقالوا:نعم . قال:فانطلق بهم ، فأوردهم رياضا معشبة ، وحياضا رواء ، فأكلوا وشربوا وسمنوا ، فقال لهم:ألم ألقكم على تلك الحال ، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني ؟ فقالوا:بلى . قال:فإن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه ، وحياضا هي أروى من هذه ، فاتبعوني . فقالت طائفة:صدق ، والله لنتبعنه وقالت طائفة:قد رضينا بهذا نقيم عليه .
وقال البزار:حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن منصور قالا حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثنا أبي ، عن عكرمة عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعينه في شيء - قال عكرمة:أراه قال:"في دم "- فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال:"أحسنت إليك ؟ "قال الأعرابي:لا ولا أجملت . فغضب بعض المسلمين ، وهموا أن يقوموا إليه ، فأشار رسول الله إليهم:أن كفوا . فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله ، دعا الأعرابي إلى البيت ، فقال له:"إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت "فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، وقال:"أحسنت إليك ؟ "فقال الأعرابي:نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا . قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنك جئتنا تسألنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت ، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء ، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى يذهب عن صدورهم ". قال:نعم . فلما جاء الأعرابي . قال إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه ، فقال ما قال ، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ، [ كذلك يا أعرابي ؟] قال الأعرابي:نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة ، فشردت عليه ، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا . فقال لهم صاحب الناقة:خلوا بيني وبين ناقتي ، فأنا أرفق بها ، وأعلم بها . فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض ، ودعاها حتى جاءت واستجابت ، وشد عليها رحلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار ". ثم قال البزار:لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه .
قلت:وهو ضعيف بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان ، والله أعلم .
وقوله:( بالمؤمنين رءوف رحيم ) كما قال تعالى:( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون . وتوكل على العزيز الرحيم ) [ الشعراء:215 - 217] .
وهكذا أمره تعالى .