{عَزِيزٌ}: شديد ،والعزيز في صفات الله تعالى ،معناه المنيع القادر الذي لا يتعذر عليه فعل ما يريده[ 1] .
{عَنِتُّمْ}: العنت: المشقة .
القرآن يتحدث عن صفات الرسول
وتلك هي صورة النبي الإنسان في مشاعره الحلوة الرقيقة التي تنساب بالحنان والعاطفة على الناس من حوله ،فيضمّ المؤمنين إليه في حرصٍ كبيرٍ وخوفٍ شديدٍ من أن يمسّهم سوء ،أو يعرض لهم مكروهٌ ،أو يصيبهم جهدٌ أو مشقةٌ وعذابٌ ،في جوٍّ حميمٍ من الرأفة والرحمة التي تغمر القلوب وتملأ النفوس غبطةً وسروراً ،وذلك هو الذي يفسح المجال للسائلين أن يجدوا لديه القلب المفتوح الذي ينفتح لكل علامة استفهام تدور في أفكارهم ،ليجيب عنها بكل محبةٍ وعمقٍ وانفتاحٍ ،وهو الذي يتيح الفرصة للضالّين أن يلتمسوا الهدى عنده ،فلا يتعقّدون من أسلوب ولا يتشنّجون من نظرةٍ ،بل يواجهونبدلاً من ذلكالنظرة الحنونة ،والابتسامة المشرقة ،والكلمة الطيبة ،واللفتة الحلوة ،فيقتربون إليه بالجوّ الحميم ،قبل أن يقتربوا بالفكرة العميقة الموحية ،بل يكون هذا الجوّ هو المدخل الذي يتيح للفكرة أن تلج إلى القلب وتتحرك في العقل ،فتتحول إلى حركة إيمان في النفس .وهذا هو ما يحتاجه الداعية الذي يتحمل مسؤولية الدعوة إلى الله ،فإن عليه أن يعيش الخلق العظيم قبل أن يعيش الفكرة ،أو وهو يعيش الفكرة على الأقل ،فيحب الناس من عمق العاطفة ويحرص عليهم ،ويرحمهم ويرأف بهم ولا يتعقّد منهم ،ليسهل عليه أمر الوصول إلى قلوبهم وعقولهم من أقرب طريق .وربما ساهمت ابتسامةٌ حلوةٌ وكلمة طيّبة من داعية في انفتاح إنسان ما على الهداية ،كما قد تساهم حالةٌ تشنّجيةٌ وكلمةٌ قاسيةٌ في انغلاق الإنسان وابتعاده عن الخط المستقيم ،تبعاً للعقدة التي تنحلّ بكلمة وابتسامةٍ ،أو تتعقّد بكلمةٍ وقساوةٍ ونظرة حقدٍ .
لقد جاءكم رسول من أنفسكم
{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} فهو ليس من فصيلةٍ غير فصيلة البشر ،ولذا فإنه يعيش أحاسيسكم ومشاعركم وأفكاركم في روحيّةٍ من الانفتاح والامتداد والشمول ،{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ،إنه يتألم لأيّة حالةٍ من الجهد والتعب والمشقة في ما قد تقاسونه في حياتكم{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} في ما تستقبلون من قضية المصير في الدنيا والآخرة ،تماماً كحرص الأم على أولادها عندما تعمل على أن تبعدهم عن كل أذىً ومكروه ،فلا يريد لكم الضلال ،لأن فيه الهلاك ،ولا يحبّ لكم الضياع ،لأن في ذلك الخسران كله ،{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} فهو الذي يجسّد الرحمة في أقواله وأفعاله ونظراته وعلاقاته ،وفي كل خطوات رسالته ،حتى كان هو الرحمة للعالمين ،كما كانت رسالته كذلك .