/م128
{ فَإِن تَولَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ} هذا التفات عن خطاب أمة الرسول أو قومه الذين امتن الله تعالى عليهم بمجيئه رسولا إليهم من أنفسهم وبفضائله العائدة عليهم ، إلى خطابه صلى الله عليه وسلم وبيان ما يجب عليه في حال إعراضهم عن الاهتداء والانتفاع بما خاطبهم به ربهم في شأنه .يقول:فإن تولوا وانصرفوا عن الإيمان بك والاهتداء بما جئتهم به ، فقل:حسبي الله ، أي هو محسبي الذي يكفيني أمر توليهم وإعراضهم ، وما يعقبه من عداوتهم لي وصدهم عن سبيله ، وقد بلغت وما قصرت .
{ لا إِلَهَ إِلاَّ هُو} أي لا معبود غيره ألجأ إليه بالدعاء والاستعانة كما يلجئون إلى آلهتهم المنتحلة .
{ عَلَيْهِ تَوكَّلْتُ} وحده ، فلا أكل أمري فيما أعجز عنه إلى غيره ، وكيف لا أخصه بالتوكل{ وهُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} الذي هو مركز تدبير أمور الخلق كلها ، كما قال في الآية الثالثة من السورة التالية{ ثم استوى على العرش يدبر الأمر} [ يونس:3] .
قرأ جمهور القراء العظيم بالخفض على أنه صفة للعرش ، وقرئ بالرفع على أنه صفة لرب ، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير .
وعظمة العرش بعظمة الرب الذي استوى عليه ، وعظمة الملك الكبير الذي هو مركز تدبيره ووحدة النظام فيه ، وعظمتهما في الملأ الأعلى وفيما دونه هي المظهر الوجودي لعظمة هذا الرب التي لا تحد ، ولا يدرك كنهها أحد ، ودليل على أنه الإله الحق الذي لا يصح أن يعبد غيره ولا يتوكل على سواه ، وكيف يعبد غيره بالدعاء أو غيره أو يتوكل على سواه من يعلم أنه هو الرب المالك للعالم كله ، والمدبر لأموره ، ويراجع هنا تفسير{ يا أيها النبي حسبك الله} [ الأنفال:64] ( في ج 10 ) ، وفسر بعضهم العرش هنا بالملك ( بالضم ) لأنه يطلق عليه تجوزا ، وهو خطأ منهم ؛ لأن هذا التجوز لا مسوغ له ، ولا يصح في كل الآيات التي ورد فيها اللفظ ، والمعنى الحقيقي أبلغ منه وأعم ، فإنه يدل على المعنى المجازي وزيادة ؛ إذ ليس لكل ملك في الأرض عرش حقيقي هو المركز الوحيد لتدبير كل شيء فيه .فالعرش العظيم يدل على الملك العظيم وعلى وحدة النظام والتدبير فيه ، ولفظ:الملك العظيم لا يدل على هذا ، لاحتمال وجود الخلل فيه ، وكون تدبيره ليس له مرجع وحدة تكفل النظام ، وتمنع الخلل والفساد ، ونظار المتكلمين ومفسروهم يتأولون العرش والاستواء عليه فرارا من التشبيه الذي يستلزمه بزعمهم المبني على قياس عالم الغيب على عالم الشهادة ، وقياس الخالق على المخلوق ، وهو قياس باطل بإجماعهم ، وقال ابن عباس:سمي العرش عرشا لارتفاعه ، وفي الدر المنثور روايات في وصف العرش ومادته هي من الإسرائيليات لا يصح فيها شيء مرفوع .
/خ129
( تم تفسير سورة براءة بفضل الله وتوفيقه في شهر صفر سنة خمسين وثلاثمائة وألف وبقي تلخيص ما فيها من أصول الدين وأحكامه وحكمه وسياسته وآدابه وسنن الله في ذلك ، فنسأله تعالى توفيقنا فيه للحق الذي يرضاه وينفع عباده ) .