ثم بين الله تعالى الذين يستأذنون في القعود ، فقال تعالى كلامه:{ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ( 45 )} ، قصر الله سبحانه وتعالى من يستأذنون في القعود على الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، فلا يستأذنك في القعود مؤمن بالله واليوم الآخر ، وأفاد القصر ب ( إنما ) لأنها من أدواته .
ذلك لأن المنافق لا يؤمن بالله تعالى ، فلا يطيع أوامره ونواهيه ، ولا يذعن لما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، عن ربه ، وإن نطق لسانه بكلمات الإسلام والطاعة والخضوع ظاهرا لا يطيع قلبه ، وقد ذكر الله تعالى فيهم أقوالا ثلاثة كلها تقعد بهم عن الجهاد ، بل واحدة منها:
أولها:أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، فعدم إيمانهم بالله يجعلهم لا يذعنون ، ولا يجيبون ما فرض عليهم من جهاد ، ولا يؤمنون بما فيه من عزة وكرامة ، وفوق ذلك لا يريدون العزة للمؤمنين ولا يبتغونها لهم ، ويريدون الذلة لهم ، وعدم إيمانهم باليوم الآخر ، يجعلهم يعتقدون أنه لا تعويض لهم ، وأن الدنيا وحدها هي الحياة ، ويقولن إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين .
ثانيها:حال الريب ، فهم في ريب دائم ، والريب لا يوجد معه إيمان بشيء ، فأول ما يصاب المنافق يصاب في نفسه ، إذ يكون في بلبال مستمر ، واضطراب فكري دائم لا يستقر معه على حال ، ولا يستطيعون عملا .
ثالثها:أنهم في تردد دائم نتيجة لريبهم .