أوصاف المشركين في عهودهم
قال تعالى:
اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( 9 ) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ( 10 ) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 11 ) وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ( 12 )
إن الصفة العامة في المشركين أنهم غرتهم الحياة الدنيا والأماني فيها ، والأهواء ومتاع الحياة الدنيا ، فكان الوصف العام أنهم اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ، وآيات الله تعالى الدلائل الدالة على وحدانيته ، إذ هو الذي خلق كل شيء بديع السماوات والأرض ، وأنه الواحد الأحد الفرد الصمد ، وأنه وحده الجدير بأن يعبد ولا معبود بحق سواه ، وقد بعث الله تعالى محمدا رسولا ، مبشرا ونذيرا ، ومعه القرآن الحجة الكبرى القائمة إلى يوم القيامة ، كانت هذه الآيات كونية ومتلوة تدعوهم للإيمان ، وعدم الشرك ، ولكنهم تركوها ، ولم يلتفتوا إليها ، واستبدلوا بها هواءهم ، ومتعهم من سلطان غرهم ، وذلك ثمن بخس قليل لا يساوي شيئا بجوار ما تركوه من حق خالد .
وهذا معنى قوله تعالى:{ اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} ، أي باعوها بثمن هو عرض من أعراض الدنيا وهو قليل بجوار الحقائق الخالدة التي فيها الصلاح في الدنيا والآخرة .
وقوله تعالى:{ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} ، أي إنهم بسبب اختيارهم ذلك الثمن القليل ، وتركهم ذلك الحظ الوفير من الحق وسلامة الفكر ، والهداية والرشاد ، قد عدلوا عن الطريق ، وصدوا أنفسهم عنه ، وصرفوا غيرهم منه ، فصدوا عن السبيل القويم والهدى المستقيم .
ولقد بين سبحانه وتعالى الحكم الصادق عليهم ، فقال تعالت كلماته:{ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي إنهم بهذا العمل الذي تركوا فيه الآيات التي تلوح بالحق وتبينه قد ساء فعلهم الذي استمروا عليه ، وهو يتجدد آنا بعد آن فهو فعل مستمر . ونلاحظ هنا ثلاثة أمور .
أولها – أن قوله تعالى:{ اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} فيه استعارة تمثيلية إذ شبه حالهم في تركهم الحق الواضح البين الذي يأتي بأطيب النتائج والثمرات ، بمن يترك بضائع قيمة في مقابل ثمن بخس لا يجدي ولا يغني .
ثانيها – بيان أن ترك الوفاء بالعهد لإتباع الهوى والخيانة وهو خسارة لا كسب فيها .
ثالثها – أن قوله تعالى:{ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، فيه معنى التعجب ، أي ما أسوأ ما كانوا يعملون ، وأن الفعل المضارع يدل على تجدد حالهم الفاسدة ، و{ كانوا} دالة على دوام هذه الحال فيهم .