{ اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون( 9 ) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون( 10 )}
هذا بيان مستأنف لمن عساه يستغرب غلبة الفسق والخروج من دائرة الفضائل الفطرية والتقليدية على أكثرهم حتى مراعاة القرابة والوفاء بالعهد الممدوحين عندهم ، ويسأل عن سببه ، وجوابه:{ اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا} أي إنهم استبدلوا بآيات الله الدالة على وجوب توحيده بالعبادة ، وعلى بعثه للناس وجزائهم على أعمالهم وعلى الوحي والرسالة وما فيها من الهداية ، ثمنا قليلا من متاع الدنيا ، وهو ما هم فيه من أسباب المعيشة ، وكثيره عند كبرائهم قليل بالنسبة إلى ما عند غيرهم من أمم الحضارة ، وما عند أغنى هؤلاء قليل بالإضافة إلى ما وعد الله تعالى المؤمنين في الدنيا ، وأن ما وعدهم به في الآخرة لهو خير وأبقى .
وقيل:إن المراد بآيات الله تعالى العهود والأيمان أو ما دل على وجوب الوفاء بها من كتابه ، وروي أن أبا سفيان لما أراد حمل قريش وحلفائها على نقض عهد الحديبية صنع لهم طعاما استمالهم به فأجابوه إليه ، فهو المراد بالثمن القليل ، وعن ابن عباس أن أهل الطائف أمدوهم بالمال لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأول هو الظاهر ، وهو المناسب لما بعده المعطوف عليه بفاء السببية من قوله تعالى:{ فصدوا عن سبيله} الخ ، وصد يستعمل لازما فيقال صد فلان عن الشيء صدودا بمعنى أعرض عنه وانصرف فلم يلو عليه ، ومتعديا فيقال:صده عنه إذا صرفه ولفته عنه وزهده فيه أو منعه منه بالقوة ، ويصح إرادة المعنيين هنا أي فصدوا بسبب هذا الشراء الخسيس ، وأعرضوا عن سبيل الله وهو الإسلام وما يقتضيه من الوفاء بالعهود ، وصدوا غيرهم وصرفوهم عنه أيضا .
{ إنهم ساء ما كانوا يعملون} أي إنهم ساء عملهم الذي كانوا يعملونه من اشتراء الكفر بالإيمان والضلالة بالهدى ، والصدود والصد عن دين الله وما جاء به رسوله من البينات والحق .