ثم بين سبحانه وتعالى حالا عامة مستمرة فيهم فقال تعالى:{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ( 10 )} .
وهنا نجد النص السامي التفت من الخطاب إلى الغيبة ؛ إذ كان في الآيات{ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} ، وهذا النص السامي{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} ، وذلك الوصف يؤذن بالعلة ، أي أن السبب في أنهم لا يرعون رحما ، ولا عهدا ، هو الإيمان ، فالإيمان الحق والإذعان لله تعالى وتوحيده هو السبب في أنهم لا يراعون فيكم رحما واصلة ، ولا مودة ولا راحمة ، ولا عهدا يعاهدونكم فيه ، إنه إيمانكم هو الذي صرفهم إلى النكث في العهود .
وإنه إذا كان الحق هو الذي جعلهم ينكثون في عهودهم{ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} .
الإشارة في ( أولئك ) إلى أوصافهم في أنهم لا يراعون قرابة ولا عهدا ، يقطعون القرابة وينقضون الميثاق ، والإشارة إلى هذه الوصاف تومئ إلى أنها علة الحكم ، وهو الحكم عليهم بالاعتداء ، فقد اعتدوا على الحق في ذاته ، واعتدوا على القرابة التي لم يراعوها حق رعايتها ، ونكثوا في أيمانهم ، وذلك أعظم اعتداء .
وقوله تعالى:{ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} فيه تأكيد الاعتداء من وجوه:
أولها – في التعبير بالإشارة المتضمن لصفاتهم التي هي سبب الحكم .
ثانيها – ضمير الفصل الذي يؤكد الحكم .
ثالثها – القصر بالحكم بأنهم معتدون وحدهم ؛ لأن تعريف الطرفين يدل على الاختصاص ، أي أنهم اختصوا بالاعتداء ، وليس بمعتد عليهم من لا يأخذ بعهدهم .