قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} .
الخير عام ،كما تقدم في قوله تعالى:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} .
ولكنه هنا خاص بالمال ،فهو من العام الذي أريد به الخاص من قصر العام على بعض أفراده ؛لأن المال فرد من أفراد الخير ،كقوله تعالى:{إِن تَرَكَ خَيْرًا} ،أي مالاً ؛لأن عمل الخير يصحبه معه ولا يتركه .
وفي معنى هذا وجهان:
الأول: وإنه لحب الخير - أي بسبب حبه الخير - لشديد بخيل ،شديد البخل .
كما قيل:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي *** عقيلة مال الفاحش المتشدد
أي شديد البخل على هذه الرواية من هذا البيت .
والوجه الثاني: وإنه لشديد حب المال .
قالهما ابن كثير ،وقال: كلاهما صحيح .والواقع أن الثاني يتضمن الأول .
ويشهد للوجه الثاني ،قوله تعالى:{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً 19 وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} .
وقلنا: إن الثاني يتضمن الأول ؛لأن من أحب المال حباً جماً سيحمله حبه على البخل .
وفي هذا النص مذمة حب المال ،وهو جبلة في الإنسان ،إلا من هذَّبه الإسلام ،إلا أن الذم ينصب على شدة الحب التي تحمل صاحبها على ضياع الحقوق ،أو تعدي الحدود .
وهذه الآية وما قبلها نازلة في الكفار كما قدمنا كلام الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه .