قوله تعالى:{وَأَلْقَى في الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} .
ذكر جل وعلا في هاتين الآيتين أربع نعم من نعمه على خلقه ،مبيناً لهم عظيم منته عليهم بها:
الأولىإلقاؤه الجبال في الأرض لتثبت ولا تتحرك ،وكرر الامتنان بهذه النعمة في القرآن كقوله:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} [ النبأ:6-7] ،وقوله:{وَجَعَلْنَا في الأرْضِ رَوَاسِي} [ الأنبياء:31] الآية ،وقوله:{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِي شَامِخَاتٍ} [ المرسلات: 27] ،وقوله جل وعلا:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى في الأرْضِ رَوَاسِي أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [ لقمان:10] الآية ،وقوله:{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [ النازعات: 32] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً .
ومعنى تميد: تميل وتضطرب .
وفي معنى قوله{أنٍ} وجهان معروفان للعلماء: أحدهماكراهة أن تميد بكم .والثانيأن المعنى: لئلا تميد بكم .وهما متقاربان .
الثانيةإجراؤه الأنهار في الأرض المذكور هنا في قوله:{وَأَنْهَاراً} وكرر تعالى في القرآن الامتنان بتفجيره الماء في الأرض لخلقه: كقوله:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ...} [ إبراهيم: 32-33] ،وقوله:{أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَءَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} [ الواقعة: 68-70] ،وقوله:{وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُون ِلِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} [ يس: 34-35] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .
الثالثةجعله في الأرض سبلاً يسلكها الناس ،ويسيرون فيها من قطر إلى قطر في طلب حاجاتهم المذكور هنا في قوله:{وَسُبُلاً} وهو جمع سبيل بمعنى الطريق .وكرر الامتنان بذلك في القرآن ؛كقوله:{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [ الأنبياء: 31] ،وقوله:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطا ًلِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} [ نوح: 19-20] ،وقوله:{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى في كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّى وَلاَ يَنسَى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الاٌّرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} [ طه:52-53] ،وقوله:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ في مَنَاكِبِهَا} [ الملك: 15] الآية ،وقوله:{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [ الزخرف:9-10] ،إلى غير ذلك من الآيات .