قوله تعالى:{قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذي الْعَرْشِ سَبِيلاً} .قرأ جمهور القراء «كما تقولون » بتاء الخطاب .وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم «كما يقولون » بياء الغيبة .وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير ،كلاهما حق ويشهد له قرآن .وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها وجهان كلاهما حق ،وكلاهما يشهد له قرآن فنذكر الجميع لأنه كله حق .
الأول من الوجهين المذكورينأن معنى الآية الكريمة: لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغواأي الآلهة المزعومةأي لطلبوا إلى ذي العرشأي إلى الله سبيلاًأي إلى مغالبته وإزالة ملكه ،لأنهم إذاً يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض .سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً !
وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي ،وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة .ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ المؤمنون: 91-92] ،وقوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [ الأنبياء: 22] وهذا المعنى في الآية مروي عن ابن عباس ،وسعيد بن جبير ،وأبي علي الفارسي ،والنقاش ،وأبي منصور ،وغيره من المتكلمين .
الوجه الثاني في معنى الآية الكريمة: أن المعنى{لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذي الْعَرْشِ سَبِيلاً} أي طريقاً ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله .ويدل لهذا المعنى قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [ الإسراء: 57] .ويروى هذا القول عن قتادة .واقتصر عليه ابن كثير في تفسيره .
ولا شك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول ،لأن في الآية فرض المحال ،والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له لا يظهر معه أنها تتقرب إليه ،بل تنازعه لو كانت وجودة ،ولكنها معدومة مستحيلة الوجود .والعلم عند الله تعالى .