/م41
دَليل التمانع:
الآية التي بعدها تشير إلى واحد من أدلة التوحيد والذي يعرف بين العلماء والفلاسفة بعنوان «دليل التمانع » إذ الآية تقول للنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ): قل لهم: ( قل لو كانَ مَعهُ آلهة كما يقولون إِذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) .
وَبالرغم مِن أنَّ جملة ( إِذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) تفيد أنّهم لابدّ أن يجدوا طريقاً يؤدي بهم إلى صاحب العرش ،وَلكن طبيعة الكلام توضح بأنَّ الهدف هو العثور على سبيل للانتصار عليه ( على ذي العرش ) خاصّة وأنَّ كلمة ( ذي العرش ) التي استخدمت بدلا مِن «الله » تُشير إلى هَذا الموضوع وَتؤكّده .إذ تعني أنّهم أرادوا أن يكونوا مالكي العرش وحكومة عالم الوجود ،لذلك فإنّهم سيحاولون منازلة ذي العرش .
وَمِن الطبيعي هُنا أنَّ كل صاحب قدرة يسعى لمدّ قدرته وتكميلها ،لذا فإنَّ وجود عدّة آلهة يؤدي إلى التنازع والتمانع فيما بينهم حول الحكم والسلطة في عالم الوجود .{[2209]}
هُنا قد يقال: إن مِن الممكن تصوّر وجود عِدَّة آلهة يحكمون العالم من خلال التعاون والتنسيق فيما بينهم ،لذلك فليس ثمّة مِن سبب للتنازع بينهم ؟!
في الإجابة على هذا السؤال نقول: بصرف النظر عن أنَّ كل موجود يسعى نحو توسيع قدرته بشكل طبيعي ،وَبصرف النظر أيضاً عن الآلهة التي يعتقد بها المشركون تحمل العديد من الصفات البشرية ،والتي تعتبر أوضحها جميعاً هي الرغبة في السيطرة والحكم وتوسيع نطاق القدرة ...بغض النظر عن كلِّ ذلك نقول: إِنَّ اللازمة الضرورية لِتعدُّد الوجود هي الاختلاف ،وَحيثُ لا يوجد اختلاف بين وجودين إطلاقا ،فلا معنى لوجود التعدُّد !!( دَقق جيداً ) .
وَنظير هَذا البحث وَرد في الآية ( 22 ) من سورة الأنبياء حيث قوله تعالى ( لو كاَنَ فيهما آلهة إِلاّ الله لفسدتا ) .وَمَنعاً للالتباس ينبغي أن نقول: هناك اختلاف بين الدليلين بالرغم مِن التشابه بينهما:
الأوّل يدلّ على فساد العالم ونَظام الوجود بسبب تعدُّد الآلهة .
أمّا الثّاني فيتحدّثبغض النظر عن النظم في عالم الوجودعن حالة التنازع والتمانع التي سوف تقوم بين الآلهة المتعدّدة .( سوف نبحث هَذِهِ الأُمور مُفصلا أثناء تفسير الآية ( 22 ) مِن سورة الأنبياء ) .