قوله تعالى:{قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوفُورًا} .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة:{قَالَ اذْهَبْ} هذا أمر إهانة ؛أي اجهد جهدك ،فقد أنظرناك{فَمَن تَبِعَكَ} أي أطاعك من ذرية آدم{فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوفُورًا} أي وافراً ؛عن مجاهد وغيره .وقال الزمخشري وأبو حيان:{اذْهَبْ} ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجيء ،وإنما معناه: امض لشأنك الذي اخترته .وعقبه بذكر ما جره سوء اختياره في قوله{فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوفُورًا} .
وهذا الوعيد الذي أوعد به إبليس ومن تبعه في هذه الآية الكريمة بينه أيضاً في مواضع أخر .كقوله:{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لأَمْلاّنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ ص: 84-85] ،وقوله:{فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [ الشعراء: 94-95] إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة{جَزَاء} مفعول مطلق منصوب بالمصدر قبله ؛على حد قول ابن مالك في الخلاصة:
بمثله أو فعل أو وصف نصب*** وكونه أصلاً لهذين انتخب
والذي يظهر لي: أن قول من قال إن «مرفوراً » بمعنى وافر لا داعي له ؛بل «موفوراً » اسم مفعول على بابه ؛من قولهم: وفر الشيء يفره ،فالفاعل وافر ،والمفعول موفور .ومنه قول زهير:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ***يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
وعليه: فالمعنى جزاء مكملاً متمماً .وتستعمل هذه المادة لازمة أيضاً تقول: وفر ماله فهو وافر ؛أي كثير .وقوله «موفوراً » نعت للمصدر قبله كما هو واضح ،والعلم عند الله تعالى .