قوله تعالى:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن أول كلمة نطق لهم بها عيسى وهو صبي في مهده أنه عبد الله ،وفي ذلك أعظم زجر للنصارى عن دعواهم أنه الله ،أو ابنه أو إله معها وهذه الكلمة التي نطق بها عيسى في أول خطابه لهم ذكرها الله جل وعلا عنه في مواضع أخر .كقوله تعالى:{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبُّي وَرَبَّكُمْ} وقوله في «آل عمران »:{إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ 51} ،وقوله في «الزخرف »{فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 63 إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ 64} ،وقوله هنا في سورة «مريم »:{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ 36} ،وقوله:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} .إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله في هذه الآية الكريمة:{آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً 30} التحقيق فيه إن شاء الله: أنه عبر بالماضي عما سيقع في المستقبل تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع .ونظائره في القرآن كثيرة .كقوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} ،وقوله تعالى:{وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ 68 وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيء بِالنَّبِيِّيْنَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِي بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُ ونَ 69 وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} إلى قوله{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} .وقوله تعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ} .
فهذه الأفعال الماضية المذكورة في الآيات بمعنى المستقبل .تنزيلاً لتحقق وقوعه منزلة الوقوع بالفعل ،ونظائرها كثيرة في القرآن .وهذا الذي ذكرنامن أن الأفعال الماضية في قوله تعالى:{آتَانِي الْكِتَابَ} الخ بمعنى المستقبل هو الصواب إن شاء الله .خلافاً لمن زعم أنه نبئ وأوتي الكتاب في حال صباه لظاهر اللفظ .