وقوله في هذه الآية الكريمة:{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً 70} يعني: أنه جل وعلا أعلم بمن يستحق منهم أن يصلى النار ،ومن هو أولى بذلك .وقد بين الرؤساء والمرؤوسين كلهم ممن يستحق ذلك في قوله{قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} والصلى مصدر صلى النار كرضى يصلاها صلياً ( بالضم والكسر ) إذا قاسى ألمها ،وباشر حرها .
واختلف العلماء في وجه رفع «أي » مع أنه منصوب ؛لأنه مفعول{لَنَنزِعَنَّ} فذهب سيبويه ومن تبعه إلى أن لفظة «أي » موصولة ،وأنها مبنية على الضم إذا كانت مضافة وصدر صلتها ضمير محذوف كما هنا .وعقده ابن مالك في الخلاصة بقوله:
أي كما وأعربت ما لم تُضف *** وصدر وصلها ضمير انحذف
وبعضهم أعرب مطلقاً ..الخ .
ويدل على صحة قول سيبويه رحمه الله قول غسان بن وعلة:
إذا ما لقِيت بني مالك *** فسلم على أيهم أفْضَل
والرواية بضم{أَيُّهُم} وخالف الخليل ويونس وغيرهما سيبويه في «أي » المذكورة .فقال الخليل: إنها في الآية استفهامية محكية بقول مقدر والتقدير: ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال فيه أيهم أشد ؛وأنشد الخليل لهذا المعنى الذي ذهب إليه قول الشاعر:
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل *** فأبيت لا حرج ولا محروم
أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له: لا هو حرج ولا محروم .وأما يونس فذهب إلى أنها استفهامية أيضاً ؛لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها بالاستفهام لأن التعليق عنده لا يختص بأفعال القلوب ،واحتج لسيبويه على الخليل ويونس ومن تبعهما ببيت غسان بن وعلة المذكور آنفاً ،لأن الرواية فيه بضم{أَيُّهُم} مع أن حروف الجر ،لا يضمر بينها وبين معمولها قول ولا تعلق على الأصوب ،وإن خالف فيه بعضهم ببعض التأويلات .ومما ذكرنا تعلم أن ما ذكره بعضهم من أن جميع النحويين غلطوا سيبويه في قوله هذا في «أي » في هذه الآية الكريمة خلاف التحقيق .والعلم عند الله تعالى .وقرأه حمزة والكسائي وحفص{عِتِيّاً} بكسر العين .و{صِلِيّاً} بكسر الصاد للإتباع .وقرأ الباقون بالضم فيهما على الأصل .