قوله تعالى:{وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} .
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أنه إن جادله الكفار: أي خاصموه بالباطل وكذبوه ،أن يقول لهم: الله أعلم بما تعملون .
وهذا القول الذي أمر به تهديد لهم فقد تضمنت هذه الآية أمرين:
أحدهما: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهددهم بقوله: الله أعلم بما تعملون: أي من الكفر ،فمجازيكم عليه أشد الجزاء .
الثاني: الإعراض عنهم ،وقد أشار تعالى للأمرين اللذين تضمنتهما هذه الآية في غير هذا الموضع .
أما إعراضه عنهم عند تكذيبهم له بالجدال الباطل فمن المواضع التي أشير له فيها قوله تعالى{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [ يونس: 41] .
وأما تهديدهم فقد أشار له في مواضع كقوله{هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} [ الأحقاف: 8] وقوله{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [ الأنعام: 147] فقوله{وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ} فيه أشد الوعيد للمكذبين ،كما قال{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [ المرسلات: 15] في مواضع متعددة ،وهم إنما يكذبونه بالجدال ،والخصام بالباطل .وقد أمره الله في غير هذا الموضع أن يجادلهم بالتي هي أحسن وذلك في قوله{وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} [ النحل: 125] وقوله{وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} [ العنكبوت: 46] وبين له أنهم لا يأتونه بمثل ليحتجوا عليه به بالباطل ،إلا جاءه الله بالحق الذي يدمغ ذلك الباطل ،مع كونه أحسن تفسيراً وكشفاً وإيضاحاً للحقائق وذلك في قوله{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [ الفرقان: 33] .