وقوله بعده أيضًا:{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} .
وقد أشار جلَّ وعلا في هذه الآيات الكريمة إلى إهلاك عاد ،وثمود ،وقارون ،وفرعون ،وهامان ،ثم صرح بأنه أخذ كلاًّ منهم بذنبه ،ثم فصل على سبيل ما يسمّى في البديع باللّف والنشر المرتّب أسباب إهلاكهم ،فقال:{فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} ،وهي: الريح ،يعني: عادًا ،بدليل قوله:{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [ الحاقة: 6] ،وقوله:{وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ} ،ونحو ذلك من الآيات .وقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} ،يعني: ثمود ،بدليل قوله تعالى فيهم:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلا إِنَّ * ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ} [ هود: 67-68] .وقوله:{وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض} ،يعني: قارون ،بدليل قوله تعالى فيه:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} [ القصص: 81]الآية .وقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} ،يعني: فرعون وهامان ،بدليل قوله تعالى:{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} [ الشعراء: 66] [ الصافات: 82] ،ونحو ذلك من الآيات .
والأظهر في قوله في هذه الآية:{وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} ،أن استبصارهم المذكور هنا بالنسبة إلى الحياة الدنيا خاصة ؛كما دلّ عليه قوله تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [ الروم: 7] ،وقوله تعالى:{وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ،ونحو ذلك من الآيات .وقوله:{وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ} ،كقوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [ العنكبوت: 4] .