قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقًا غَلِيظاً} .
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أخذ من النبيّين ميثاقهم ،ثم خصّ منهم بذلك خمسة: هم أولوا العزم من الرسل ،وهم محمّد صلى الله عليه وسلم ،ونوح ،وإبراهيم ،وموسى ،وعيسى .ولم يبيّن هنا الميثاق الذي أخذه عليهم ،ولكنه جلَّ وعلا بيَّن ذلك في غير هذا الموضع ؛فبيّن الميثاق المأخوذ على جميع النبيّين بقوله تعالى في سورة «آل عمران »:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ آل عمران: 81-82] .وقد قدّمنا الكلام على هذه الآية في سورة «مريم » ،في الكلام على قصة الخضر ،وقد بيَّن جلَّ وعلا الميثاق الذي أخذه على خصوص الخمسة الذين هم أُولوا العزم من الرسل في سورة «الشورى » ،في قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُم مّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ}[ الشورى: 13] .
وبما ذكرنا تعلم أن آية «آل عمران » ،وآية «الشورى » ،فيهما بيان لآية «الأحزاب » هذه .
وقوله في هذه الآية الكريمة:{وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} من عطف الخاص على العام ،وقد تكلّمنا عليه مرارًا ،والعلم عند اللَّه تعالى .