قوله تعالى:{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} .
بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرْضِ} ،أي: ما يدخل فيها كالماء النازل من السماء ،الذي يلج في الأرض ؛كما أوضحه بقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأرْضِ} .
[ الزمر: 21] الآية .
وقوله:{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ في الأرْضِ} [ المؤمنون: 18] الآية ،فهو جلَّ وعلا يعلم عدد القطر النازل من السماء إلى الأرض ،وكيف لا يعلمه من خلقه:{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [ الملك: 14] ،ويعلم أيضًا ما يلج في الأرض من الموتى الذين يدفنون فيها ؛كما قال جلَّ وعلا:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [ طه: 55] ،وقال:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاء وَأَمْواتاً} [ المرسلات: 25-26] ،والكفات من الكفت: وهو الضم ،لأنها تضمّهم أحياء على ظهرها ،وأمواتًا في بطنها ،ويعلم أيضًا ما يلج في الأرض من البذر ؛كما قال تعالى:{وَلاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ} [ الأنعام: 59] ،وكذلك ما في بطنها من المعادن ،وغير ذلك .
قوله:{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} ،أي: من الأرض كالنبات والحبوب ،والمعادن ،والكنوز ،والدفائن وغير ذلك ،ويعلم{مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء} من المطر ،والثلج ،والبرد ،والرزق وغير ذلك .{وَمَا يَعْرُجُ} ،أي: يصعد فيها ،أي: السماء ،كالأعمال الصالحة ؛كما بيّنه بقوله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [ فاطر: 10] ،وكأرواح المؤمنين وغير ذلك ؛كما قال تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [ المعارج: 4] الآية .
وقال تعالى:{يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [ السجدة: 5] ،وما ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه يعلم جميع ما ذكر ،ذكره في سورة «الحديد » ،في قوله:{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ * أَيْنَمَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [ الحديد: 4] .
وقد أوضحنا الآيات الدالَّة على كمال إحاطة علم اللَّه بكل شيء في أوّل سورة «هود » ،في الكلام على قوله تعالى:{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} [ هود: 5] الآية ،وفي مواضع أُخر متعدّدة .