قوله تعالى:{أَأتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ * إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} .
الاستفهام في قوله تعالى:{أَأتَّخِذُ} للإنكار ،وهو مضمن معنى النفي ،أي: لا أعبد من دون اللَّه معبودات ،إن أرادني اللَّه بضرّ لا تقدر على دفعه عني ،ولا تقدر أن تنقذني من كرب .
وما تضمّنته هذه الآية الكريمة من عدم فائدة المعبودات من دون اللَّه جاء موضّحًا في آيات من كتاب اللَّه تعالى ؛كقوله تعالى:{قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ ممسكاتُ رحمته قل حسبيَ الله عليه يتوكل المتوكلون} [ الزمر: 38] ،وقوله تعالى:{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} [ الإسراء: 56] ،وقوله تعالى:{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ في السَّمَاوَاتِ وَلاَ في الأرض} [ سبأ: 22] الآية ،وقوله تعالى:{وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ في السَّمَاوَاتِ وَلاَ في الأرض سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ يونس: 18] ،وقوله تعالى:{وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّالِمِينَ} [ يونس: 106] ،والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{لاَّ تُغْنِ عَنّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} ،أي: لا شفاعة لهم أصلاً حتى تغني شيئًا ،ونحو هذا أسلوب عربي معروف ،ومنه قول امرئ القيس:
على لا حبّ لا يهتدي بمناره ***إذا سافه العود النباطي جرجرا
فقوله: لا يهتدي بمناره ،أي: لا منار له أصلاً حتى يهتدي به ،
وقول الآخر:
لا تفزع الأرنب أهوالها ***ولا ترى الضبّ بها ينجحر
أي: لا أرنب فيها ،حتى تفزعها أهوالها ،ولا ضبّ فيها حتى ينجحر ،أي: يتّخذ جحرًا .
وهذا المعنى هو المعروف عند المنطقيين ،بقولهم: السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ؛كما تقدّم إيضاحه .